في ظل تغييب كامل لدورها طوال العشرية المنقضية واستهدافها في بعض الأحيان بنزع امتيازات مكتسبة عبر التاريخ او بإدراج مراسيم مرتفعة جدا للوثائق المستخرجة عبر القنصليات ضرورية للبقاء ببلدان الاقامة بصورة قانونية، والهدف الأكثر واقعية يتمثل في عدم مزيد اهدار الطاقات والإمكانيات والمواهب وترجمتها إلى استراتيجيات، ومنها العودة الى الاحترام المتبادل وعدم استنقاص قدرات التونسيين بالخارج، والشروع في الاصلاحات الجوهرية لديوان التونسيين بالخارج، فلا فائدة مثلا من تواجد “دار التونسي” بالخارج التي ترصد لها اموال طائلة ولا يستفيد منها الا القليل، لأنها فقدت روادها من ابناء الاجيال الجديدة للهجرة، وهم الأساس، وأصبحت شكلية لا غير لتبرير مصاريف خرافية.
فلماذا لا نعود الى تشجيع المبادرات الخاصة من أفراد الجالية، باعادة الوداديات والمقاهي الثقافية بأساليب متجددة تحت اشراف وتأطير من الملحقين الاجتماعيين؟
ثم لماذا تستمر الدولة في تمويل فضاءات “فاضية” بالمال العام عوضا عن استنباط طرق وآليات جديدة انفع وأجمل؟
ففي الدراسة التي قام بها معهد ألماني من عدة أشهر تبين ان مجهود التونسي بالخارج لم ينقص في العامين الاخيرين رغم الانتكاسة الاقتصادية العالمية وساهم في تنمية خزينة الدولة من العملة الصعبة بـ32% وهو رقم هام جدا، كما ان 80% من مجموع التونسيين بالخارج الذي عددهم مليون و400 الف يرسل الى بلاده سنويا 6 مليون و800 الف.
الجالية تزخر بالطاقات والمواهب يجب استثمارها، وتسير نحو التميز ولن تتخلى عن جذورها ووطنيتها رغم محاولات تغييبها في العشرية الاخير، ومع هذا يجد التونسي المهاجر “وطنه” جاحدا لكل النعم، ناكرا لها ولمكانته ودوره الريادي في التنمية، وطن حكمته منظومة سياسية فاشلة منذ 2011، خرجت من الباب الصغير جدا، يوم 25 جويلية 2021، اثر قرارات تفعيل الفصل 80 من طرف رئيس الجمهورية. بدأت تلقى رواجا بين افراد الجالية بالخارج فكرة الإكتتاب الذي أعلنها قيس سعيّد مؤخرا فهي ربما ستمثل خطوة حاسمة في عودة العلاقة الجدلية بين الجالية بالخارج ووطنها الأم بدمج الهجرة في مسار التنمية بفتح الافاق امامها واعادة الامل لها وللأجيال الجديدة.