عندما تمر من الموقع الأثري ذائع الصيت ببومباي (Pompei) بالقرب من خليج نابولي في إيطاليا، وهي مدينة رومانية قديمة كان يعيش فيها حوالي عشرون ألف نسمة، تقع على سفح جبل بركان فيزوف الذي يرتفع 1200 متراً عن سطح البحر، وهذا البركان كان سبب فناء تلك المدينة بسكانها، حينما ثار عام 79، وغطى المدينة بنيرانه ودفنها تحت الرماد. وكشفت الحفريات المتتالية عن أسرار تلك الواقعة وبقيت هذه المدينة الأثرية لغز يتفكك ببطء ولا يزال يخطف عقول المغمورين من الباحثين من جميع الجنسيات.
تستقطب بومباي ملايين السياح على امتداد السنة وأهالي المنطقة يعيشون بها ومنها، ولا يهابون غضب البركان في بعض الأحيان، بل يسروا لتلك المناظر العجيبة التي يخلقها هيجان بركان فيزوف.
في المقابل وهنا بيت القصيد، نجد في تونس مدن أثرية كسبيطلة التي تعتبر أشهر المدن الأثرية في تونس نظرًا لتعاقب الحضارات عليها، ودقة مدينة رومانية مازالت صامدة أعمدتها على مر العصور مترامية الاطراف ولا أحد يعبأ بهما او يروج لهما وقليلة صورهما والمنشورات عنهما.
الطريق المؤدية الى دقة الاثار مهملة منذ زمن، صعبة وتعيسة الى حد الشفقة.
ولكن لا مبرر ليكون نفس التنكر لكنوزنا الاثرية مثل قرطاج التاريخ والحضارة والصيت العالمي، وقرطاج سبقت في ظهورها مدينة روما بـ 64 سنة، ودورها كجسر بين حوضي البحر الأبيض المتوسط وحضارتها التي تُعرف بالحضارة البونية.
قرطاج التي دمرت وحرقت وعبث بها الرومان اثر انتصار روما عليها بعد الحروب البونيقية الثلاث عندما قرّر مجلس الشيوخ الروماني تدمير مدينة قرطاج في سنة 149 ق. م.
وكما ذكرت في البداية ان مدينة بومباي باثارها وتاريخها يفتخر بوجودها سكان المنطقة لانها تشع على كامل خليج نابولي، وقرطاج التي تفوق بكثير تاريخ بومباي المبني على كارثة طبيعية اودت بحياة جميع سكانها، بينما قرطاج هي قوة عسكرية واقتصادية ضخمة في المتوسط في ذلك الحين وخاضت معارك كبيرة وبطولات جمة خاصة غزو حنبعل على ظهور الفيلة عبر جبال الالب لبلاد الرومان ونقل الحرب على أرض العدو، وكبدهم خسائر كبيرة وكاد ان يحتل روما لولا انه ظل الطريق حسب بعض المؤرخين وتمت خيانته من طرف حكام قرطاج آنذاك الذين حجبوا عليه المساعدات العسكرية.
فلماذا سكان قرطاج الحاليين لا يعيرون اهتماما البتة بموروثهم الذي في جزء منه نهبوا اثاره وبنوا عليه ولا تكاد تظهر معالمه في مواقع قرطاج الأثرية المحاصرة بين البنايات الفخمة المحاذية لقصر رئاسة الجمهورية الذي اراده الزعيم بورقيبة رمزا للابداع الحداثي والتاريخ قديمه وجديده.
قرطاح بيرصا القلب النابض للعصور القديمة حيث تحوز على الميناء البوني الدائري والفريد من نوعه ضربه الاهمال واصبح يأوي زوارق الصيادين الصغيرة البالية والملوثة للبيئة! واما حمامات انطونيوس المترامية على الشاطئ لا تكاد الحشائش والامواج تلتهمها لكن لاتزال صامدة، وهي تنتظر زوارها القلائل مثل كل المواقع الاخرى داخل البلاد والتي نفخر بوجودها بيننا لانها تذكرنا بالامجاد و3000 سنة حضارة.
لم يستغل أبدا هذا الاسم العظيم “قرطاج” بالكيفية المطلوبة أو قل لم نحافظ عليه ولم نؤسس له سياحة ثقافية عالمية مثل ما نشاهده في روما التي بقيت على مر العصور مسرحا أثريا في الهواء الطلق مفتوحا ليلا نهارا للزوار الشغوفين من كل أنحاء العالم.
العشرية الاخيرة في تونس لم تكن حليفة للثقافة والفنون باشكالها المختلفة والمتاحف وحتى الزوايا مقام الاولياء الصالحين برغم وصول فنانين ومثقفين على رأس وزارة الثقافة والتراث واليوم بعد اعفاء المنظومة السياسية الفاشلة من مهامها يوم 25 جويلية 2021 ينتظر ان تعود السياحة الى سالف مجدها بعد فترة الكوفيد اللعينة، يجب اعطاء الاولوية للمواقع الأثرية والاهتمام بها وتسهيل الوصول اليها وترميم الطرق المؤدية اليها ولو على مراحل، تنويع الترويج وتعصير أساليبه ووسائله بالاعتماد على الفكر الابداعي الاتصالي وتحريك الديبلوماسية التونسية لترويج منتوجنا السياحي الثري والمتنوع لكن بلا (فترينة) مغرية.