بقلم: عبد الحميد الزغلامي
أثار تقديم سيف الاسلام نجل الزعيم معمر القذافى الذي اغتاله معارضون في خضمّ احداث ثورة 2011، لترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية المزمع تنظيمها في اواخر شهر ديسمبر المقبل جدلا واسعا داخل ليبيا و خارجها . هذا الجدل لم يهدأ منذ الأحد 14 نوفمبر تاريخ التقديم الرسمي للترشح بل انه زاد من الارتفاع و من تقسيم المجتمع الليبي بين مبارك و رافض.
فبينما يرى محللون عارفون بالواقع السياسي في ليبيا ان انصار الزعيم الراحل معمر القذافى ما يزالون يمثلون شريحة شعبية لها وزنها الهام في الشارع الليبي و ستكون قادرة على ايصال سيف الاسلام الى دفة الحكم، يرى آخرون في المقابل ان جراح 2011 لم تندمل و ان المجتمع الليبي لم يُشف بعد مما يجعل هذا الترشح لا فقط غير عادل وانما كذلك سابقا لأوانه و سيزيد الوضع من هشاشة الوضع في ليبيا و من تعميق و تعقيد مشاكله.
و قدّم سيف الاسلام ترشحه للرئاسية الليبية من سِبها (جنوب البلاد) “مدينة الشرارة الاولى” كما كانت تدعى زمن حكم معمّر القذافى، ولا شك ان هذا الاختيار يعود الى كونها معقل قبيلة القاذاذفة التي كان يستند اليها الزعيم الليبي و التي تولت حماية عائلته بعد قيام ثورة 2011. كما اختار سيف الاسلام عند تقديم ترشحه ان يظهر لليبيين بلباس تقليدي وان يرفق بيان تقيم ترشحه بآيات قرآنية أسوة بنهج والده و ذلك بهدف تحريك مشاعر الحنين الى زمن القذافى بعد عشرية من العنف و الفوضى عانى منها الليبيون و مازالوا يعانون، و يريد سيف الاسلام استغلال وضع التصارع و الانقسام المهيمن على ليبيا ليقدّم مشروعه السياسي و”يظهر مظهر المنقذ” كما يتهمه اعداؤه.
رغم استكماله كامل”المسوغات القانونية” التي تخول تقديمه للترشح للرئاسية الليبية، كما جاء ذلك في بيان ادارة الانتخابات، الا ان هذا الترشح اثار اشكاليات عديدة يتعلق اهمها بالوضع القانوني لسيف الإسلام الذي صدر في حقه سنة 2015 حكم بالاعدام رميا بالرصاص اثر اتهامه بالتورط في ارتكاب جرائم حرب لقمع الانتفاضة التي اطاحت بنظام والده. لكن هذا ان هذا الحكم لم يُنفذ و اطلقت المجموعة المسلحة التي كانت تحتجز نجل القذافى سراحه اعتمادا على قانون العفو العام الذي اصدره البرلمان الليبي سنة 2017، بيد ان هذا القانون لم يلق تجاوبا ايجابيا في الشارع الليبي آنذاك و لم تقع الموافقة عليه من طرف المحكمة العليا اعلى سلطة قضائية في ليبيا، ما ابقى على حكم الاعدام ساريا و صاحبه مطلوبا للعدالة.
ولئن تغافل سيف الاسلام القذافي و انصاره هذا الحكم المحلي لعلمهم ان الواقع السياسي على الارض عو المتحكم الحقيقي في مسار السُلط و منها السلطة القضائية، فانه لا يمكنهم في المقبل تناسي مذكرة الايقاف الولية التي اصدرتها محكمة الجنايات الدولية سارية الى اليوم ولم تسقط.
اماما هذا الوضع المعقد يضغط المجتمع الدولي لتنظيم الانتخابات في ليبيا كسبيل اضمن للخروج نهائيا من وضع الانقسام و التناحر و خطر الانقسام، في ما يرى البعض ان الانتخابات قد تؤدي في النهاية الى تفاقم العنف و حالة الانقسام سيما و قد عاد التوتر جليا بين شرق البلاد و غربها منذ اعلان فتح الترشح للرئاسية.
ومهما يكن من امر فان سيف الاسلام سيكون رقما مهمّا في العملية الانتخابية التي ينتظر المجتمع الدولي تنظيمها لانهاء واقع متازم لا يهدد بقاء ليبيا كدولة موحدة بل المنطقة ككلّ اعتبارا لما لهذه البلاد من مقدرات ولما تحتله من موقع مركزي في البحر المتوسط و الذي تحرز فيه على اسع مساحة من الحوض الجنوبي.