بقلم الطاهر الجباري
لا يختلف اثنان في ان التكنولوجيا الرقمية اصبحت منذ سنوات قليلة المحرك الأساسي لكل نشاط صناعي وحتى حرفي وأضحت مكونا أساسيا لأدوات ووسائل العمل.
لكن الكثير منا ما يزال يعتقد أن هذه التكنولوجيا تخص ميادين اختصاصات حساسة ومجالات عليا تُعتبر استراتيجية.
لكن الحقيقة غير تلك والرقمنة انتشرت وعمت كل الميادين، من ذلك ميدان التكوين المهني الذي يُعتبر في عديد البلدان ومنها بلادنا للأسف، مجرد عامل لاسترداد الفاشلين في الدراسة والذين لم يسعفهم الحظ لمواصلة تعليمهم في الشعب الطويلة.
ورغم ادراك الجميع من سلطة حاكمة ومؤسسات إقتصادية وإجتماعية و اولياء، اهمية التكوين المهني في النهوض بصناعات البلاد، و الاستجابة لحاجيات السوق التشغيلية الى الكفاءات المهنية اليدوية داخليا و خارجيا، والى اعطاء الشباب الذي لفظته المدارس فرصة اخرى للنجاح في حياتهم، الا ان نظرة المجتمع ازاء التكوين المهني لم تتغير و بقي ينظر اليه نظرة دونية و لم يحتلّ الى اليوم المكان الذي يستحقه في سلم اهتمامات سياسات الدولة التي رغم توفيرها لمؤسسات التكوين بإعانة بعض الدول الصديقة لم تنجح جلب الشباب الى حضيرة التكوين المهني و لم تقدم الى المجتمع من امثلة النجاح ما يجعله يغير نظرته الى التكوين المهني.
الى هذه المصاعب والمعوقات الراجعة الى عقلية قديمة لم يستطع مجتمعنا التخلص منها تنضاف صعوبة اخرى جديدة تتمثل في ضرورة اعتماد التكنلوجيا الرقمية في التكوين والتدريب المهني وهي ضرورة لم تكن منتظرة ولم يُقرأ لهل حساب في برامج المكونين الذي هم نفسهم في حاجة الى تكوين ورسالة مستمرة في هذا المجال، مجال التكنولوجيا الرقمية.
فاذا كان صنع قطعة معدنية يحتاج في الماضي الى إستعمال آليات يتم تشغيلها يدويا وأحيانا بقوة العضلات البشرية، فاليوم تقوم الآلات التي يُتحكم فيها رقميا و التي تسمى الآلات CNC بكل نفس الاعمال المطلوبة و يكفي فقط ان تقع البرمجة الجيّدة للاشغال المرغوب القيام بها.
البرمجة أولا والبرمجة أخيرا
في ظل هذه المتغيرات الجديدة يجد تلاميذ التكوين المهني انفسهم فجأة في موقف يفرض عليهم التعامل مع آليات تتطلب اتقان مفاهيم متطورة و التحكم في معرفة تقنية ذات مستوى عال، و هو مايتعارض مع رؤيتنا و الاعتبار القليل الذي نمنحه لهذه الشريحة من مجتمعنا.
والحقيقة ان بلادنا رغم انفتاحها المبكر على المسألة الرقمية فانها سجلت تاخرا كبيرا في المجال ولم تحقق الحكومات المتعاقبة بعد الثورة اي تقدم يذكر، كما ان المؤسسات المالية و الصناعية لم تول اهتماما بالرقمنة و تنزيلها صلب اهتماماتها الاولى و اعتبارها شرطا من شروط تطورها و اندراجها ضمن ضروريات عولمة مفروضة شئنا ام أبينا.
الرقمنة لا يمكن ان تكون مجرد امنية او املا بعيد المنال او عبارة تزخرف خطابات السياسيين و انما يجب ان تكون حاجة اساسية و عاجلة و جوهر اصلاح منظومتنا التربوية، حتى نضمن انتشارها و تعميمها و “دمقرطتها”.
وقد كشف ظهور وباء كرونا الذي عطّل المسيرة التربوية حاجتنا الى الرقمنة حتى تواصل المؤسسة التربوية القيام بدورها ولا تترك جموعا كثيرة من ابناء شعبنا المعوزين على حافة الطريق. والامر يهمّ التربية والتكوين المهني على حد السواء.