احتفل اليوم غوغل بالشاعر السوداني الكبير محمد مفتاح الفيتوري الذي ولد في مثل هذا اليوم من سنة 1936 في السودان و توفي في المغرب في 24 افريل 2015، في حين غفل و يغفل عنه نقاد و دارسو واعلاميو وطنه العربي.
ومحمد الفيتوري عربي المنشأ والانتماء كما لم ينشأ و ينتمي مثله اي شاعر او كاتب او مفكر عربي آخر في هذا العصر. وُلد في مدينة الجنينة من اب ليبي و ام مصرية و عاش و درس في مصر و عمل سفيرا لليبيا في لبنان و مات في المغرب حيث استقر وتزوج.
عارض سياسة جعفر النميري فاسقط عنه الجنسية السودانية و سحب منه جواز سفره السوداني و احتضنه معمر القذافي و مكنه من الجنسية الليبية و من جواز سفر ليبي و اعتمده ممثلا ديبلوماسيا في عدة بلدان اوروبية و عربية، و في سنة 2014 اعيد تثبيته في جنسيته السودانية و مُكّن من جديد من جواز سفر سوداني.
كان محمد الفيتوري يحمل هموم و أوجاع افريقيا على بشرته و في و عيه و وجدانه فجاء شعره متدفقا صاخبًا بايقاعات الطبول المدوية غضبا على الاستعباد و العنصرية و الاستغلال و القهر، و تطوّر شعره وزاد عمقا و قوة و التزاما في ذات الوقت بقضايا العدل و التحرر و اولها القضية الفلسطينية التي ناصرها بقصائد جراحية الدقة في التعبير و الدلالة تغنى بها كبار فناني مصر و السودان.
لكن تربيته الاولى في المناخ الصوفي الذي كان يديره ويشرف عليه ابوه احد صاحب السجّاد الشاذلي في مدينة الاسكندرية لحقت به في مقتبل نضجه الابداعي و سيّرته نحو منهج وجداني انتج فيه اجمل قصائده واكملها.
واذا لم يكن لنا بد من ان نختار في يوم ذكرى هذا الشاعر الفذّ قصيدا واحدا يمثله و يختزل تجربته فسنختار دون تردد هذه الابيات من ديوانه “معزوفة درويش متجول” والتي خلدته شاعرا مجددا اثرى المدونة الشعرية العربية و اعادها الى احدى اهم منابعها، المنبع التصوفي. قرأنا هذا القصيد زمن شبابنا الطلابي و رددناه لمّا اكتشفنا فيه من انفاس و اسرار الحلاج و رابعة و النّفري و غيرهم ممن سلكوا طرق التواجد:
في حضرةِ من أهوى عبثَثْ بي الاشواقْ
حدّقتُ بلا وجهٍ و رقصتُ بلا ساقْ
و زحمتُ براياتي و طبولي الآفاقْ
عشقي يُفني عشقي و فنائي استغراقْ
مملوكُكِ لكنّي سلطانُ العشّاق.
اشتغل محمد الفيتوري بالصحافة في مصر والسودان وترأس تحرير عديد المجلات والدوريات الادبية والفكرية وعايش أكبر الشعراء و الكتاب و المفكرين المجددين في المشرق و المغرب العربيين فاثّر فيهم و تاثر بهم و اصدر حوالي عشرين مجموعة شعرية منها:
اغاني افريقيا 1985
اذكريلي يا افريقيا 1965
معزوفة درويش متجول 1971
ابتسمي حتى تمر الخيل 1975
شرق الشمس …غرب القمر 1985
عريانا يرقص في الشمس 2005
بقلم: عبد الجليل المسعودي