مصطلح منخفضة التكلفة مشتق من اللغة الإنجليزية low cost ويعني الترجمة الحرفية “تكلفة منخفضة”، مما يحدد ظاهرة نشأت في الولايات المتحدة منذ أكثر من 30 عامًا ، مع شركة Southwest Airlines، والتي قدمت رحلات جوية بنصف السعر: وهو اتجاه سرعان ما انتشر في أوروبا في التسعينيات.
اتخذت شركات الطيران منخفضة التكلفة في أوروبا أيضًا اسم “بلا رفاهيات”، مما يسمح للمسافرين بالتوفير بشكل كبير في أسعار تذاكر الطيران التقليدية ، مع التركيز على تزويد عملائهم بالخدمة الأساسية فقط، النقل الجوي. وبالتالي القضاء على جميع الإضافات ووسائل الراحة غير الضرورية، خاصة في الرحلات الجوية التي تستغرق ساعات قليلة!
من الناحية العملية، فإن المعدلات الاقتصادية التي تقترحها هذه الخطوط الجوية منخفضة التكلفة ترجع أساسًا إلى إلغاء الوجبات، والتقليل من استعمال الأفراد على متن الطائرة، واستخدام المطارات الثانوية وبعيدًا عن العواصم، ونقص الخدمات الفنية في المطارات وحتى خفض استهلاك البنزين بعدم تشجيع جلب المسافرين لادباش كثيرة لتخفيض وزن الطائرة، والعديد من وسائل الراحة الصغيرة الأخرى، مع ما يترتب على ذلك من تخفيض واضح في الاسعار.
بدأت شركات الطيران منخفضة التكلفة منذ فترة طويلة في الاعتماد على استراتيجية مختلفة،إنهم يحددون مطارًا غير مستخدم بشكل كافٍ ويقومون بترقيته لجلب حركة مرور جديدة إليه.
وهذا يسمح لهم بالحصول على قدرة تفاوضية قوية مع سلط المطار واستخدامه في ظروف مواتية للغاية، فضلاً عن القدرة على الدخول في اتفاقيات تجارية مع شركات النقل المحلية من / إلى تلك المطارات، أو مع تأجير السيارات والفنادق المحيطة، ومع السلطات المحلية لتهيئة الطرقات وتخفيف الاجراءات الخاصة في الاستقبال والمغادرة. وهذا النوع من الطيران منخفض التكلفة الى حد كبير لم يتصور وقوعه اكبر خبراء الخطوط التقليدية وحتى محبي السفر.
والى جانب كل هذا فأين تحط هذه الطائرات تجلب التنمية لتلك الجهات من الناحية السياحية والتشغيل والمداخيل الاضافية.
العديد منا يتذكر أعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد رسميا يوم 26 اكتوبر 2018 عن استعداد تونس في ذلك الحين للانخراط في نظام النقل الجوي Open Sky “السماء المفتوحة” خلال ندوة صحفية جمعته برئيس المفوضية الاوروبية على استعجال الاتحاد الاوروبي للقيام بالخطوات اللازمة لابرام الاتفاقية نظرا لاهميتها على اقتصاد بلادنا.
ولكن، من ذلك التاريخ لم نسمع اي كلام يذكر عن هذه الاتفاقية رغم أهميتها لكونها ستمكن بلادنا عند دخولها حيز التنفيذ من تنمية الجهات اقتصاديا وسياحيا ولوجستيا وكذلك ستنمي سرعة التنقل بين الجهات باسعار منخفضة.
نظام “السماء المفتوحة” او منخفض التكلفة، سيمكن شركات النقل الجوي الاجنبية والوطنية من القيام برحلاتها باتجاه تونس باستعمال الخطوط الدولية وكذلك استعمال الخطوط الداخلية بحيث يتمكن السائح الاجنبي والتونسي بالداخل والخارج من الاختيار الاوسع والانسب ماديا لتنقلاته عبر اكثر من ناقل جوي وطني واجنبي على مدار السنة، وسيهبط المهاجرون في المطار القريب من سكناهم. مما يعطي حركية سياحية وتشغيلية غير مسبوقة على مستوى الجهات.
وقد تبين بعد كل هذه التعطيلات التي نسميها بمسمياتها هو عدم الارادة السياسية لاسباب غير منطقية.
فمن وجهة نظر السلطة المركزية الاتفاقية ستضر بشركة الخطوط “التونيسار” والعمالة التي نعرف جيدا انها زائدة بقدر غير معقول. ومن جهة ثانية يعللون وجهة نظرهم بان الاتفاقية غير مجدية لان سياحتنا موسمية، وهذا غير صحيح والمغرب التي انخرطت في اتفاقية السماء المفتوحة منذ 15 سنة، مثالا حيا وناجحا فبفضل الاسعار المنخفضة اصبحت الحركة السياحية في المغرب على طول السنة ولم تحصل لشركة الخطوط المغربية اي انتكاسة.
ورغم سياسة الدولة الحمائية لشركة الخطوط التونسية لم تمنعها من الغرق وشبه الافلاس، ومع ذلك لا يزال الاصرار على عدم تفعيل هذه الاتفاقية وتضييع فرص التنمية على جهات مهمشة ببلادنا.
مع الاشارة الى ان مطار تونس قرطاج حسب نص الاتفاقية، سيبقى حصريا خارج هذه المنظومة لمدة زمنية محددة لتمكين شركة الخطوط التونيسار من امتياز الرفاهة واعادة تأهيلها واصلاحها هيكليا من الداخل.
العالم اليوم يعيش انتعاشة سياحية غير مسبوقة بعيدا (عن الكوفيد) بواسطة هذا النوع من الرحلات الجوية الرخيصة والمناسبة بأقل رفاهية ولكن تفسح المجال للكثيرين ببعض اليوروات من التعرف على شعوب ومدن العالم خاصة الجهات المحرومة.
ومع هذا كله فالاتفاقية مازالت تنتظر القرار السياسي الذي وان لم يأتي الى حد الان فانه آتٍ لا محالة.
بقلم: الحبيب المستوري