بقلم: د.خالد شوكات
العنصرية مرفوضة كعقلية وثقافة وممارسة، فإن كنت مؤمناً وجب عليك تصديق قول الرسول (ص) بأن الناس سواسية كأسنان المشط، وبأن النساء شقائق الرجال، وبأنه لا فرق بين عربي وأعجمي او ابيض واسود الا بالتقوى، اي العمل الصالح، أما ان كنت ملحدا، فما عليك الا تصديق المواثيق الاممية الانسانية والاعلانات الحقوقية الدولية التي تنص على ان الناس قد خلقوا احرارا وهم متساوون في الحقوق والواجبات وان التمييز على اساس اللون او العرق او الدين او اي معيار تمييزي اخر هو جريمة نكراء يستحق مرتكبها التشنيع بفعله فضلا عن معاقبته أشد العقوبة.
لكن الانسان الذي لم يستكمل ورشات الاصلاح الفكري والديني المطروحة عليه والمناطة بعهدته كفرد وكمجتمع، ما يزال يستنبط انواعا جديدة من العنصرية، لعلَّ من اخطرها ما يمكن تسميته ب”العنصرية الأيديولوجية”، التي تنطلق من قناعة بعض البشر بان “أيديولوجيتهم” او “عقيدتهم” او بعض الافكار التي يؤمنون بها، هي من جنس فكري او نوع سياسي ارقى قياسا بأيديولوجية او عقيدة او أفكار غيرهم، وان هذا التفوق الفكري او الايديولوجي او السياسي يمنحهم حقوقا اعلى بما في ذلك الحق في إقصاء الاخرين وحرمانهم من حقوقهم في ممارسة افكارهم وعقائدهم على قدم المساواة مع بقية المواطنين، وربمّا إلقاؤهم في السجون والمعتقلات أو طردهم الى المنافي.
واقع الامر أن شوائب التفكير العنصري المتعالي والإقصائي تطال حتى أولئك الذين يزعمون تبني الافكار الأكثر تقدّمية، فالتقدمية في حد ذاتها تحولت لدى كثير من التقدميين الى ممارسة عنصرية تجعلهم في مواجهة من يصفونهم باعتبارهم “رجعيين” و”ماضويين” و”سلفيين” ..
في طبقة ارقى ومكانة اعلى تمنحهم امتيازات وترتب لهم مكانة لا ينالها بقية المواطنين، فاذا ما امتزجت هذه المسارات التمييزية بمصالح فئوية او فردية اصبحت التصنيفات الأيديولوجية والفكرية ادوات حقيقية للحرمان والاقصاء وحتى التدمير والتخريب والإيذاء بدوافع عنصرية ليست خفية.
لقد أفرغت جل القيم الديمقراطية والمواطنية من محتواها طيلة السنوات الماضية، جراء هذه المفارقة العجيبة التي جعلت من أكثر المقاربات نبلا كمقاربة “الحرية” أو “التعددية” مدخلا للتمكين لأكثر الممارسات خساسة وانحطاطا ولا إنسانية كالتمييز العنصري على اساس ايديولوجي، وهكذا اصبح المتدينون أكثر تكفيراً، والوطنيون أكثر فاشية، واليساريون أكثر تعاليا وعزلة، والليبراليون أكثر شعبوية، وبدل ان تعزز الديمقراطية قيم التعايش والتواضع والاعتدال والعمل المشترك، قادت الى تعزيز شتى انواع التمييز والصراع والتناحر الداخلي.
إن الديمقراطية لا تطيق الايديولوجيات كثيرا، وهي في الأصل منظومة مرنة وبراغماتية تنال حظوتها وتكتسب القدرة على تحقيق أهدافها كلما اتسعت دائرة الوسطية السياسية وتكرّس الايمان عبرها بضرورة التخفّف الايديولوجي وبناء التوافقات بين مختلف المكونات..
على نحو يُقوِّي مجتمع المواطنة، ومجتمع المواطنين الذين يحملون حقائق نسبية، ويطرحون افكارهم باعتبارها الافضل برأيهم لا الأنقى والأسمى، ويتعاملون مع أفكار سواهم على انها جديرة بالتقدير والاحترام والاعتراف.