بقلم عبد الجليل المسعودي
هذا المساء تتعرف فرنسا على رئيسها(تها).
نتائج سبر الآراء وكذلك-وخصوصا- تقاليد الشعب الفرنسي ومستوى وعيه ومكانته في العالم تمنح مبدئيا الفوز للرئيس المتخلي ايمانويل ماكرون على منافسته مارين لوبان.
نقول “الفوز” ولا نقول الانتصار. هناك فرق.
لأنه، وفي صورة حصوله على ثقة مواطنيه لعهدة رئاسية جديده، وهو ما هو متوقع ومأمول، فإن ايمانويل ماكرون يكون قد فاز بالغياب، وليس بخصاله وقيمة حصيلة خماسية حكمه. في المقابل وعلى افتراض فشلها في الصعود الى كرسي الرئاسة، وهو ما هو متوقع ومأمول، فإن مارين لوبان لن تكون خاسرة. بالعكس، فقد غنمت الكثير واصبحت رقما صعبا في الحياة السياسية الفرنسية ووجها عاديا ومقبولا ايديولوجيا وأخلاقيا. مارين لوبان التي تربت في محضنة حزب الجبهة الوطنية الذي بناه ابوها جون ماري لوبان على أسس التفرقة العرقية والتمايز الثقافي ومعاداة المسلمين. مارين لوبان التي حاولت خلال الحملة الانتخابية أن تمحو آثارها القديمة لتظهر بمظهر أكثر مقبولية نجحت إلى حد كبير في إنساء الرأي العام الفرنسي أنها نالضت في صفوف حزب أبيها الأولى لحوالي ثلاثة عقود وتم انتخابها على قائمته في البرلمان الاروبي لدورتين إثنتين وجلست في ركن المنتصرين لتفكيك الوحدة الأوروبية. كل ذلك الميراث الثقيل لم يعد عائقا كبيرا أمام صعود مارين لوبان الصاروخي ووصولها للمرة الثانية للدورة الختامية للانتخابات الرئاسية.
كيف وصلت مارين لوبان الى هذا الحد من المقبولية في بلاد ثورة 1789 وإعلان حقوق الإنسان والمواطن، وكيف نجحت في إزالة الشيطنة عنها؟
مما لا شك فيه ان المجتمع الفرنسي مجتمع متأزم وان ازمته من نخبه التي لم تعد قادرة على الاستجابة لتطلعات مواطنيها الذين أصبحوا مهددين بالتفقير والتراجع الإجتماعي. ويتحمل المسؤولية الأولى في ما آلت اليه أوضاع فرنسا رئيسها ايمانويل ماكرون الذي بقي طيلة مدته بعيدا عن شعبه متعاليا غير مقدر لتصاعد الغضب الشعبي الذي انفجر في الشوارع في ما عرف بحراك “السترات الصفراء” ومصادمات الضواحي في اكثر من مدينة وفي الفضاءات الجامعية. صحيح ان جائحة الكوفيد لم تسهل عمل الرئيس ماكرون ولا الحرب الروسية -الاوكرانية لكن ذلك لا يقلل من مسؤوليته في زعزعة أركان المنظومة السياسية التقليدية بتراجع الحزبين الكلاسيكيين الذين انبنت عليهما الحياة السياسية فية فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: الحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري(اليميني). انهار الحزبان بسبب سياسة التهميش الممنهج التي اتبعها الرئيس ماكرون فنتج عن ذلك فراغ لم يلبث ان ملأته الأحزاب الراديكالية والمتطرفة يسارا ويمينا والتي أصبحت تجمع لوحدها ثلاثة ارباع مجموع الناخبين. وساعدت سيطرة أحزاب الأطراف على بروز خطاب شعبوي احتياجي وضد النظام القائم.
في هذه الأجواء المشحونة والمرتبكة يتوجه الناخبون الفرنسيون لاختيار رئيسهم (او رئيستهم). ومهما كانت النتيجة فإن المسؤول سيكون حتما ايمانويل ماكرون. فإن وقع تجديد انتخابه- وهو الأرجح- فالفضل فيه يكون لقوى المجتمع الفرنسي الحية التي قامت لقطع الطريق أمام مارين لوبان المتطرفة وتدارك أخطاء ماكرون. وان تم انتخاب مارين لوبان فان المسؤول هو كذلك ماكرون الذي هيأ الظروف لتطبيع المجتمع الفرنسي مع خطاب التفرقة والكراهية والانغلاق.