لفتة لطيفة من المسرحي عبد الله رواشد عميد المخرجين المسرحيين تجاه الأستاذ عبد السلام القلال الشخصية الوطنية ووالي الكاف الأسبق.
عبد الله رواشد توجّه صحبة فريق شبابي من مجموعته المسرحية الى بيت السيد القلال ليقدّم له تحيات واحترام المسرحيين ويعبّر له باسمهم، باعتباره اليوم اكبرهم سنا واقدمهم تجربة في مجال الاحتراف الذي أعطاه ستّين سنة من عمره كتابةً وأخراجا وإدارةً وتمثيلا، عن جميل عرفانهم لما قدمه والي الكاف الأسبق من جليل الأعمال للنهوض بقطاع الفن الرابع.
قليلون هم الذين يعرفون عبد السلام القلال التسعيني الذي اقعده المرض دون أن ينال من قوّة ذاكرته وصفاء رؤيته وقدرته الكبيرة على توليف المعلومات والمعطيات والتحاليل. وقليلون أكثر الذين يعلمون ان المسرح التونسي مدين لهذا الرجل الذي عيّنه الرئيس بورقيبة واليا على الكاف (1964-1969) فاستغل ثقة الرئيس بورقيبة افضل استغلال واستعمل حبّه الكبير للمسرح ليبعثَ أول فرقة مسرحية جهويّة قارّة بمدينة الكاف.
كان الوالي زمنئذن يتمتع بسلطة واسعة فرأى عبد السلام القلال في الراحل منصف السويسي من الشّغف والحماس والقدرة ما يؤهّله لتأسيس وإدارة اوّل فرقة مسرحية جهوية فوفّر له من الامكانيات الماديّة-رغم قلّتها-، وأطلق يده لانتداب عناصر الفرقة من هواة الجهة، ومنع كل وصايةٍ على ادارته للفرقة الناشئة، وترك له الحرية الكاملة في تحديد اختباراتها وتوجهاتها الفنية.
كان الرهان صعبا لكن عبد السلام القلال الوالي المثقف المتذوّق للمسرح عرف كيف يكسبه ببناء ثقة سريعة مع عناصر الفرقة الوليدة وتذليل كل المصاعب أمام إدارتها وتجنيد كل الطاقات المحلية لإنجاز مشاريعها. وكان ذكائه ان آثار سريعا اهتمام الرئيس بورقيبة بهذه التجربة وتوجيه عنايته لها كرافد ثقافي جديد ووسيلة للتثقيف انطلاقا من العمق الجغرافي الوطني، ونشر التوعية ورفع الذوق الفني باعتباره مؤشرا على التطوّر الأخلاقي.
ولم تلبث أن تحولت الفرقة المسرحية القارة بالكاف الى مركز استقطاب للتجارب المسرحية المختلفة تقصده النخبة المسرحية خصوصا والثقافية وعموما، ومركزا تنشيطيا أشعّ على كامل الجهة وساعد على ظهور عديد المواهب في التأليف المسرحي والموسيقى قدّمت إضافة نوعية للثقافة الوطنية وأسهمت في تطويرها.
ويبقى المكسب الأكبر الذي يُحسب للسيد عبد السلام القلال أن تجربة فرقة الكاف المسرحيّة تحولت إلى انموذج تمّ تكراره في عدة جهات اخرى، في قفصة والقيروان والمهدية ونابل وصفاقس، بنجاح متفاوت من منطقة الى اخرى دون شك، ولكن بنفس الإرادة المعلنة في كل مرة لتمكين السلطة الجهوية من تحمّل مسؤوليتها والاسهام فعليا في النهوض بالشان الثقافي وتعزيز الكفاءات المحلية.
لقد أحدثت تجربة الكاف وعيا بأهمية الجهة وقيمة دورها في العمل الثقافي، وأدت الى تحوّل في مفهوم وتنظيم العمل المسرحي ومن هناك، الى شكل ومضمون المسرح الذي أصبح ملتزما بالتعبير عن الواقع المحلي ونقده.
ولقد أشاد عبد الله رواشد بهذا الإسهام الكبير والحاسم للسيد القلال مذكرا أنه، مثل كثيرين من جيل مسرحيي السيتينات والسبعينات، مدين له بما ولّدته تجربة الكاف التي تمت بإرادة ودعم منه، من حاجة الى تعميم الفعل المسرحي وإرساء أسس المسرح التونسي الذي قطع اليوم خطوات ملحوظة على درب التنوّع والتطوّر وبناء شخصيته.
والتذكير فإن عبدالله رواشد التحق بالفرقة القارة بالكاف في مطلع السبعينات حيث اضطلع بمسؤولية الإدارة والتنظيم الى جانب الراحل منصف السويسي، قبل أن يؤسس الفرقة القارة بالقيروان، ثم الفرقة القارة بالمهدية، وكل ذلك ضمن التوجّه الذي بدأه عبد السلام القلال في مدينة الكاف بمباركة من الرئيس بورقيبة ومتابعة حريصة من وزير الثقافة الراحل الشاذلى القليبي.