يكتسي شهر رمضان الفضيل، رونقا خاصا في تونس، كل تفاصيل الشهر تكون مميزة له عن غيره، بدءًا من التحضيرات التي تسبقه، حيث يختار البعض التزوّد بأواني فخارية جديدة و”طلي” أو “قصدرة” الأواني النحاسية، يُستقبل بها الشهر الكريم، ويتجه البعض للتبضع، قبل بداية الشهر، تحسّبا لنفاد المنتوجات في الأسواق أو ندرتها.
ومع اقتراب شهر رمضان المعظم من كل سنة، تتزين الأسواق الأسبوعية والبسطات اليومية، بالمدن التونسية، بأنواع مختلفة من الحلويات الشعبية المحببة للتونسيين، والتي يزيد استهلاكها في هذا الشهر بصفة ملحوظة.

إستهلاك الحلويات أبرز عناوين الشهر الفضيل لدى التونسي
“أجواء رمضان لا تكتمل بدون ‘مخارق باجة’ والصمصة’ والزلابية’ وغيرها من الحلويات التقليدية التي ترتفع أسهمها فجأة ، فتضيف هذه الحلويات نكهة مميزة لسهرات الشهر الكريم، كما تعد في متناول كل تونسي” تقول بثينة، اربعينية تقطن بمدينة بنزرت، في شمال البلاد.
وتضيف بثينة ل”تونس مباشر”: هناك أشياء تميز الشهر المعظم لم ألاحظ انها تغيرت منذ كنت صغيرة، مثل اعداد البسيسة وتقديمها على مائدة الإفطار، وتحضير القهوة العربية وطبق الحلويات في السهرات الرمضانية الحافلة بالأجواء التقليدية، كبرتُ على هذه الأجواء، وما زلت محافِظة على نفس العادات مع أطفالي”.
وتعدّ بلادنا من أبرز البلدان الثرية بتراثها الغذائي، وتختلف عادات التونسيين باختلاف جهات البلاد، فنجد حلويات شعبية شهيرة بمناطق دون غيرها “كالمخارق الباجيّة” وهي عجينة محلاة مقلية في الزيت دائرية الشكل أو مستطيلة، لاقت هذه الحلويات إقبالا واسعا، وصارت محببة لدى الجميع، خصوصا في الشهر الكريم، حيث يزيد الإقبال عليها، ما جعل عربات “المخارق الباجيّة” تنتقل من مدينة باجة لتنتصب في مدن بقية الجهات.

هذا وتؤيد دراسةٌ للمعهد الوطني للاستهلاك صدرت سنة 2019، زيادة إستهلاك التونسي للسكريات، خلال شهر الصيام، حيث كشفت الاحصائيات أن نسبة الاستهلاك بصفة عامة لدى التونسيين خلال شهر رمضان تزداد بنسبة 34 في المائة، ويكون النصيب الأكبر منها للحلويات الرمضانية الشعبية.
الأكلات “الزمنية” حاضرة بامتياز في طاولة التونسي
“إضافة لكونه شهر عبادات، إلا أننا نسعى من خلاله، إلى العودة لجذورنا وعاداتنا وتقاليدنا، وإحياء أطباقنا الشعبية التي نعدّها فقط في المناسبات الدينية، كطبق “شربة الشعير” و”البريك”، حيث يكون هذا الثنائي، الأنجح والأكثر تواجدا على الطاولات، في كل البيوت التونسية باختلاف طبقاتها”، يقول عز الدين، ستّيني يقطن بالعاصمة تونس.
ويضيف: ” شهر رمضان، هو الأقرب لقلبي، فهو مرتبط باللمات العائلية في السهرات الرمضانية التي تزينها حلوياتنا التقليدية.”

وتقوم النساء قديما في جل المناطق التونسية، بتخزين “العولة” من الكسكسي (معجنات تقليدية) خصيصا لشهر الصيام، بالإضافة إلى تحضير عولة الهروس (فلفل أحمر مجفف يتم رحيه ويستخدم لتحضير الوجبات اليومية)، وما تزال إلى الآن بعض العائلات محافظة على هذه العادة يتبرّك بها البعض.

“كل التونسيين يتشاركون في إعداد “كسكسي ليلة النصف من رمضان” وليلة السابع والعشرين كذلك” تقول محدثتنا “سميرة”، لا خلاف في ذلك، يتشارك التونسيون في طبخ “الكسكسي باللحم” مرتين في رمضان، أتمنى ألا ننسى عاداتنا وتقاليدنا يوما ما”.

والحقيقة أن شهر الصيام يقترن في مخيّلة التونسيين، مثلهم مثل باقي الشعوب الإسلامية، بشهر العودة إلى التقاليد الأصيلة وإلى الإرث العائلي في مجال الطبخ خصوصا.
لماذا الطبخ؟ لانّ الأكل يمثّل المجال المحسوس الأهم الذي تبرز فيه علاقة المسلم بدينه بصفة ماديّة مباشرة.
فبعد يوم كامل من الصيام والامتناع عن الأكل والشرب، يُقبل التونسي عموما على مائدة الإفطار ليتلقّى جزاءَ صبره وليتلذذ حلاوة إيمانه.
وتأتي هنا الحلويات وكأنها تجسّم هذا الشعور باللذة وتجمع بين الحلاوة الروحانية(الصيام) والحلاوة المادية( المخارق، الزلابية، الصمصة، الدبلة، البوزة…).
ورغم الجهود التي تبذلها السلط الرسمية عند حلول شهر رمضان لإقناع المواطنين بالحدّ من الاستهلاك ومن تجنب تناول الحلويات، فإن شهر الصيام يبقى رمز الوفرة والتصنيف في الطبخ والأكل الذين تجسمهما طاولة الإفطار المجهّزة بكل انواع المأكولات والحلويات التي ترمز إلى الانتصار على مرارة الصيام، ولا يهمّ اذا زاد ارتفاع التداين العائلي و تراجع العمل وانخفض الإنتاج.
بقلم: ندى الغانمي