بوطبيلة قبل انتشار التلفزة وبعدها بقليل كان “بوطبيلة” شخصية مألوفة في أغلب المدن التونسية، وكان يمثّل تقليدا اسلاميا نشأ منذ 1000 سنة في مصر وانتقل الى باقي البلدان الأخرى ومنها تونس.
و”بوطبيلة” هي مهنة موسمية خاصة بشهر رمضان يقوم بها رجل يعرف حيّ المدينة التي يتحرّك فيه حيث يقوم كل ليلة كامل شهر الصيام بجولة في الأنهج والأزقّة وهو يقرع طبلته و ينشد مناديا الناس الى الاستيقاظ للسحور:
“يا نايم وحّد الدايم
وَحّدو الله جاء رمضان يزوركم
يا نايم وحّد مولاك
اللي خلقك ما ينساك”…
انتشار التلفزة وتواصل بثّها 24 ساعة على 24، ما يمّكن الناس من السهر الى حدّ وقت السحور تراجع حضور بوطبيلة ثم انهى ظهور الهواتف المحمولة واكتساحها الحياة اليومية دوره بشكل تام وأدخله طي التاريخ ولم يبق غير ذكراه عند الذين عايشوا فترة الخمسينات والستين وحتى السبعينات والتي غاب بعدها بوطبيلة بشكل كلّي عن ليالي رمضان. وحتى وإن حاول بعض من يراودهم الحنين الى تلك الازمنة الجميلة إحياء هذه العادة، فإن الناس لم يعودوا يكترثون ب”بوطبيلة” ولا يبدون استعدادا لدفع أجرته وتسليم الهدايا له صباح عيد الفطر كما كان الشأن في الماضي.

واذا انقرض “بوطبيلة” من تونس فإنه ما يزال حيّا ناشطا في عديد البلدان الإسلامية الأخرى مثل المغرب وسويا وفلسطين والسعودية، وخصوصا مصر حيث ما يزال”المسحّراتي” يحافظ على جاذبيته وعلى نكهته الخاصة التي تميّزه، تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل. ولعلّ ما ساعد على تواصل “المسحّراتي” في المدن المصرية تعلّق المصريين بنمط عيشهم وبعاداتهم القديمة وشغفهم بتراثهم الثقافي. ولقد خلّد الفنان الكبير سيد مكاوي في الذاكرة الشعبية المصرية شخصية المسحّراتي بأدائه أغنيته الشهيرة “المسحراتي”.
في هذا المضمار تتحدث الصحافة المصرية خلال الأيام الفارطة عن دلال عبد القادر التي سجّلت إسمها كأول إمرأة “مسحّراتية” في تاريخ مصر وربما في العالم الإسلامي كلّه.
دخلت دلال هذه المهنة منذ 12 سنة إثر وفاة شقيقها الذي كان يعمل مسحّراتي على كرسي متحرّك بعد ان أقعده المرض.
تذكر دلال لإحدى الصحف أنها وأشقاؤها لم يشعروا في شهر رمضان الموالي لتاريخ وفاة شقيقهم المسحّراتي بنفس الأجواء التي كانوا يشعرون بها في حياته. فقررت عندئذ استئناف عمل شقيقها المتوفّي إحياءًا لذكراه وكسبا للقمة العيش. في المعادي أحد احياء القاهرة القديمة حيث تقطن، تشرع دلال ابتداءًا من الواحدة ليلا محاطةً احيانا بالاطفال في تجوالها وهي تنقر طبلتها وتنشد بطريقة بسيطة ولكنها مسموعة:
إصحى يا نايم وحّد الدايم
وقول نويت بكرة إن حييت.
العربي الزغلامي