عبد الجليل المسعودي
للمرة الأولى منذ عشرين سنة، تاريخ بدء تقدّمه سنة 2003 للانتخاب الكبرى، سواء لتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية، يفشل رجب طيب أردوغان في الفوز بالانتخابات منذ الدورة الأولى.
لقد كانت مفاجأة، لكنها لا تتمثل كما قد يفهمها البعض في عدم فوز أردوغان منذ الدورة الأولى، وإنما في حصوله على المرتبة الأولى ب49،4% مقابل 45% لمنافسه الرئيسي كمال كيليشداروغلو الذي يقود تكتلا يضمّ 6 أحزاب والذي تسنده فئات كبيرة من الشباب والاطياف ذات المرجعية اليسارية واللايكية والجمعيات النسوية تريد كلها أن ترى المشهد السياسي يتغيّر ويسير نحو أكثر عدالة اجتماعية وحرية وتفتّحا على محيطه الغربي خصوصا.
كل التوقعات، تدعمها نتائج استطلاعات الرأي، كانت تذهب في إتّجاه فشل أردوغان في الحصول على مدّة رئاسية ثانية. كذلك كان الفشل مأمولا ومنتظرا خارج تركيا في أكثر من بلاد غربية وشرقية أزعجتها سياسة أردوغان طوال السنوات الماضية والمتّصفة بتوجهها القومي الشّرس.
داخليا فإن الازمة الاقتصادية الحادة التي تمرّ بها البلاد والتي يعكسها تضخّم قياسي تجاوز ال30% وارتفاع متواصل للمواد الاستهلاكية، وكذلك ما لحق حكمه وصورته من تآكل وتهرئة، يضاف الى كلّ ذلك مأساة الزلزال الذي ضرب البلاد في شهر فيفري الماضي وتسبب في قتل خمسين ألف شخص وأظهر تهاونا وسوء إدارة من المنظومة الحاكمة…، كل هذه المعطيات وغيرها كوّنت الاعتقاد أن أردوغان سيخسر الانتخابات بصورة جليّة لصالح منافسه الرئيسي كيليشداروغلو منذ الدورة الأولى. لم يحصل وذلك، وحلّ أردوغان في المرتبة الأولى في هذ الدورة الأولى ما يجعله يدخل الدورة الثانية يوم 28 ماي الجاري بحظوظ أوفر من منافسه للفوز بعهدة رئاسية جديدة.
كيف يمكن تفسير هذا الانقلاب بين ما كان متوقّعا وما حصل فعلا؟
من الواضح أن رغبة المحافظة على الحاضر غلبت ارادة التغيير عند جمهور الناخبين. إذ ورغم كل المآخذ على أردوغان فهو يبقى رمز إعادة تركيا الى ساحة الكبار وجعلها تقف بنديّة أمام روسيا أو ألمانيا أو فرنسا أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية. فشعور النخوة والفخر له وزن كبير في مشاعر الإنسان التركي الذي عانت بلاده من أطماع الغرب في القرنين السابقين.
ويمكن كسبب ثان ايضا ذكر الواعز الديني الذي أحياه-او استغله، كما يرى البعض- أردوغانان في الشعب التركي ومكّن اليوم تركيا من المنافسة على الزعامة السنيّة في المنطقة.
اما السبب الثالث فيتمثّل في ردة الفعل المعاكس التي دفع إليها تعنّت بعض الدول الغربية ومواقفها السلبية والمتصلّبة احيانا تجاه تركيا وسياستها الخارجية، خصوصا وأن جاليات تركية عديدة تعيش في تلك البلدان وتعيش تلك المواقف كمعاداة لا تخلو من عنصرية لتركيا.
ولا شكّ في الأخير أن الرئيس التركي المنتهية ولايته عرف كيف يستبقي انصاره ذوي النزعة القومية والمحافظة على وفائهم لنهجه وأن يستميل أطيافا جديدة من الناخبين بفضل نفس خطابه العاطفي، السهل والمباشر.
والسؤال:هل سيتمكّن أردوغان من هزم منافسه والفوز بعهدة رئاسية جديدة؟
المنطق يدفع للقول إن أردوغان الذي أصبح يتمتّع بسبق نفساني بفضل تمركزه الأول في الدورة الأولى هو الأقرب للفوز في الدورة الثانية. ويدعم هذا السبق تقدم حزبه وحصوله على الاغلبية في البرلمان ما سيجعل فوز كيليشداروغلو، ان تمّ، محاطا بالمخاطر وحكمه مهددا بالتّعطيل. لكن مثل هذا السبق النفساني قد ينقلب في آخر الأمر لو يعرف كيليشداروغلو كيف ينجح في عملية تحويل أصوات جماهير الأحزاب المعارضة المشاركة في المنافسة لصالحه. المشكل هنا ان الأحزاب المعارضة ليست متجانسة ومنها من تتميز بتوجه محافظ أو قومي يجعلها أسهل استقطابا لفائدة أردوغان الذي يبقى في النهاية الأوفر حظّا للفوز يوم 28 ماي المقبل.
لكن…السياسة ليست علما صحيحا ، وأشياء كثيرة يمكن ان تقع في بحر أسبوعين قد تُغيّر كل المعطيات في بلاد كانت دوما وتبقى أرضا لكل المفاجآت.