بقلم عبد الجليل المسعودي
رغم جمعها لثلاثة وعشرين قائدا حضروا اشغالها التي اختُتمت أمس الجمعة، فإن قمّة جدة العربية لم تحقق هدفها الرئيسي المتمثل في توحيد الصف العربي الذي أصبحت تطمح الى القيام به المملكة العربيّة السعودية، الاّ جزئيا.
القمة لم تخل من نقاط إيجابية.
النقطة الإيجابية الأولى، التي كانت منتظرة، تمثلت في عودة سوريا رسميا الى الجامعة العربية بعد 11 سنة من قطيعة أبعدت هذا البلد الوازن على الساحة العربية عن حضيرة العمل العربي المشترك بسبب قمع النظام القائم لمعارضيه الذين انتفضوا ضدّه على خلفية موجة ما سُمّي بثورات الربيع العربي. فعودة سوريا، وإن دفعت إليها تحوّلات جيوستراتيجية في المنطقة عناوينها البارزة الحرب الروسية-الاوكرانية، والتقارب السعودي-الإيراني، والحضور الصيني المتزايد في على حساب الحليف التقليدي أمريكيا، قلنا تبقى عودة سوريا، و رغم طابعها الغير مكتمل، خطوة إيجابية نحو” تشكيل مرحلة جديدة للعمل العربي المشترك من أجل التضامن والسلام في المنطقة “، مثلما أعلن ذلك الرئيس العائد بشار الأسد.
النقطة الإيجابية الثانية برزت في التأكيد ضمن، البيان الختامي، لهذه القمة العادية الثانية والثلاثين على مركزيّة القضية الفلسطينية التي تبقى إدامة عدم حلّها السبب الرئيسي لكلّ الازمات التي تعيشها المنطقة. وما من شكّ أن عودة سوريا سيكون لها دور في مستقبل الاحداث في الشرق الأوسط.
النقطة الإيجابية الثالثة، والتي كانت الأكثر إثارة للجدل هي دعوة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي لحضور القمّة والتي لم تكن منتظرة.
فمن ناحية أولى يمكن قراءة هذا الحضور كإثبات لإرادة الدول العربية أو بعضها لعب دور أهمّ على الساحة السياسية العالمية خصوصا لو تتبع دعوة زيلنسكي وإلقاؤه خطابا من على منبر القمة ولقاؤه ببعض القادة العرب مبادرة سلام عربية بين روسيا وأوكرانيا مثلما فعلت منذ أيام إفريقيا وقبلها الصين.
غيره أنه ومن ناحية أخرى فإن دعوة الرئيس الأوكراني التي لا شكّ انها تمت بإيعاز من أمريكيا، الحليف التاريخي للسعودية المترأسة للقمة، وذلك لتعديل الكفّة بعد الدور الذي لعبته المملكة في عودة سوريا، كانت سببا في إثارة تحفظات عدّة دول أعضاء في الجامعة من بينها الجزائر التي احتضنت القمة العربية السابقة والتي كان رئيسها عبد المجيد تبون من الغائبين البارزين في جدة، إلى جانب رئيس الإمارات محمد بن زايد، وكلاهما اعتبر حضور زلنسكي خروج عن سياسة الحياد التي اتبعتها الى حدّ تاريخ قمّة جدة جل الدول العربية أو كلّها، ورأى فيها انعدام حوار وتنسيق بين الدول الأعضاء والحال ان التنسيق يمثّل أساس العمل المشترك الذي ابنى عليها تأسيس الجامعة العربية.
الى غياب تبّون وبن زايد ينضاف انسحاب أمير قطر تميم آل ثاني مبكّرا من القمة حتى لا يحضر كلمة الرئيس السوري الذي يعارض علنا عودته الى الجامعة العربية دون إلتزام حقيقي بحلّ القضايا السياسية المطروحة على الساحة السورية والتي كانت سببا في تعليق عضوية بلاده لأكثر من عشرية كاملة.
الجامعة العربية التي احتفلت منذ شهرين اثنين بعيدها الثامن والسبعين تبقى هيكلا بلا نفوذ ولا قدرة تمنعها من الوقوف عاجزة أمام الازمات التي تعيشها أكثر من دولة عربية: ليبيا، اليمن، لبنان…وصولا الى السودان حيث، وفي نفس الوقت الذي كان القادة العرب الحاضرون في جدّة يلقون كلماتهم، كانت حرب الجنرالين المتصارعين على السلطة تشتعل في السودان تحصد أرواح السودانيين وتدمّر منجزاتهم ومكاسبهم. فأي دور للجامعة العربية؟ وهل يجب ان نرضى بها قوقعة فارغة وركحا متنقلا لترديد الخطابات وتبادل العناق، بدعوة ان “وجود الجامعة العربية خير من عدم وجودها”؟
RépondreTransférer |