بقلم عبد الجليل المسعودي
السؤال كان يمكن ان يمثّل موضوع نقاش فلسفي مهمّ لو لم يكن متعلّقا بحدث تمّ فعلا ليستفزّ مشاعر مئات الملايين من البشر. هذا السؤال هو:هل يمكن حرق كتاب مقدّس باسم حرية التعبير؟ أو بصيغة أخرى هل يكن لدولة ان تسمح لمواطنيها حرق نسخة من كتاب مقدّس اعتمادا على حقّهم في حرية التعبير؟
ما زلتُ أذكر رئيسَ حكومة الدنمارك يجيب على انتقادات نواب البرلمان الأوروبي باسترازبورغ حول كاريكاتيرات إحدى صحف بلاده للنبي الأكرم سنة 2005: “انها(الكاريكاتورات) تكريس لحرية التعبير التي ينصّ عليها دستور الدنمارك الذي لا يمكن ان يكون هناك قانون فوقه”.
طبعا، الوزير الأول الدنماركي كان خاطئا مثلما أخطأ المسؤولون السويديون أمس حين سمحوا لمواطنيهم حرق نسخة من القرآن الكريم.
انّه خطأ جسيم لأنه يمسّ ركنا من الأركان الأساسية التي تقوم عليها الحرية :الأخلاق. لا حرية دون أخلاق، والأخلاق هنا هي أخلاق مليار ونصف من البشر يمثّل لهم القرآن منبعَ وأصلَ ورمزَ دينهم.
حقِّ السويديين ان يمارسوا حرياتِهم بما فيها حرية التعبير. وحقّ المسلمين ان لا يتعدّى السويديون على دينهم، الإسلام. إنها مسألة جوهرية تتعلق بحقّ الاختلاف واحترام الاختلاف. واختلاف المسلمين يتمثل في تعلقهم بكتابهم الذي هو قوام دينهم والذي تعرّض الى عملية إساءة مقصودة وتدنيس متعمّد على أيدي مواطنين سويديين.
السويديون يعيشون دينهم، مثلهم مثل غالبية الشعوب الغربية، عبر علاقة مختلفة عن التي يعيش بها المسلمون دينهم.، ويتمثّل سرّ هذا الاختلاف في ما يسمى بظاهرة العلمنة la sécularisation التي فصلت بين الكنيسة وبين المجتمع المدني والسياسي، في حين ان المسلمين لا يفصلون بين دينهم ودنياهم وهو ما يجب ان يعيه السويديون وغيرهم ويحترموا بموجبه قيمَ وتقاليد هؤلاء المسلمين، ومنها ان القرآن عندهم مقدّس لأنه كلام الله نزّله على قلب نبيّه.
ان السماح بحرق نسخة من القرآن الكريم وتدنيسه، زيادة على كونها خطأ اخلاقي وذوقي كبير ، فهي تصرّف ينطوي على كثير من جهل تجاهل لثقافة الآخر، وعلى تعال ٍ واحتقار ونفي، بالنتيجة، لقيم ومعتقدات الشعوب الاخرى بما يغذي عندها مشاعر الكراهية والنّقمة والتطّرف.
تعلمنا في سنوات الفلسفة عند اساتذتنا الفرنسيين ان الحريّة لا توجد الاّ ضمن حدودها. فهل للسويديين مفهوم آخر للحريّة غير الذي تعلمنا، أو انها عندهم تعلو على ما جاء في الفقرة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان من انها “فعل كل ما لا يسيئ للغير”؟
أيتها الحرية، كم من جريمة تُقترف باسمك!