بقلم عبد الجليل المسعودي
هل هي مجرد صدفة أم حركة محسوبة؟ظهور فيلم “أوبنهايمر” الذي يروي حياة هذا العالم الأمريكي، أب القنبلة النووية الأمريكية، على شاشات السينما في العالم صادفت الذكرى الثامنة والسبعين لإلقاء القوات الامريكية أول قنبلة نووية يوم 6 اوت 1945 على مدينة هيروشيما فنسفتها نسفا متسببة في قتل 140 ألف شخص، قبل أن تردفها بقنبلة أخرى على مدينة ناغازاكي يوم 9 أوت مخلفة هذه المرة 80 ألف قتيل في لحظة واحدة، دون احتساب الآلاف الذين سيقضون ضحايا للإشعاعات.
*****
لقد شكل التاريخان الإثنان، 6 و 9 أوت، تحوّلا جوهريا في فن الحرب وعلاقة هذه بالعلم والعلماء وقسّمت العالم بين بلدان قليلة محصّنة بامتلاكها السراح النووي وأخرى، وهي الأغلبية، ضعيفة تعيش في ظل ما سمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ب”توازن الرّعب” بين القطبين، الشرقي الذي كان يتزعّمه الإتحاد السوفياتي، والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سيطرت، وما تزال، قاعدة عدم اللجوء إلى القوة النووية خوفا من ردّة الفعل المدمّرة.
“مدينة هيروشيما بعد تفجير أول قنبلة نووية-
واعتمادا على ميثاق أمضته 180دولة فإنه لا يسمح الاّ لخمسه دول هي نفسها أعضاء مجلس الأمن، بامتلاك السلاح النووي، هي روسيا (وريثة الإتحاد السوفياتي)، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا.
لكن دولا أخرى تجاهلت الميثاق وتخطته لتمتلك القنبلة النووية ومنها إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية وجمهورية جنوب إفريقيا التي تخلت بمحض إرادتها عن هذا السلاح الفتاك.
ولربّما بلدان أخرى قد تعلن نفسها قوى نووية عما قريب.
وهو ما يجرّنا حتما الى طرح السؤال:والعرب في كل هذا؟ العرب، رغم إمكانياتهم المادية الهائلة، وتاريخم العلمي والحضاري وعددهم الذي قارب ال450 مليون نسمة، يبدون غير قادرين على الوصول الى اللحاق بالقوى النووية.
منقسمون، مقسّمون بين اصطفافات متباينة، واحيانا متصادمة، مدفوعون بمصالح آنيّة ومحلية ضيّقة، فهم فاقدون لتلك الإرادة الجماعية الصّلبة التي تمكنهم من بناء وعي حقيقي بضرورة صنع قوة فعلية مشتركة كان يمكن ان يكون امتلاك السلاح النووي عنوانها.
لكن هذا العجز الواضح في الانخراط ضمن حركة التغييرات الرئيسية في العالم إنما يقيم الدليل على غياب الفكر العربي القادر على تجاوز الكبرياء الكاذب والأنانية المحلية نحو بناء المصير المشترك.
*****
وبالعودة الى شريط “اوبنهايمر” فإن هذا الفيلم يطرح اسئلة عديدة منها ما هو جوهري مرتبط بازدواجية التقدم العلمي وما ينتجه العلماء من اختراعات ذات جدوى متناقضة، ومنها ما يتعلق ولو بصفة غير مباشرة بقصف مدينتي “هيروشيما” و”نغازاكي” اليبانيتين والتي تقدّمه السردية الأمريكية الرسمية على أنه كان ضروريا لإنهاء الحرب العالمية ومنع هلاك مئات الآلاف من الأرواح البشرية.
قد تكون هذه السردية غير مقنعة لكنها تبقى في النهاية سردية المنتصر. والمنتصر هو من يكتب التاريخ.
اما السؤال الجوهري الذي يطرحه الفيلم فهو يتعلق بدور العلم والعلماء، هذا الدور الخطير الذي يتوقف عليه حياة وفناء البشر.
للتذكير فإن جمعا من العلماء كتبوا سنة 1939 الى الرئيس الأمريكي لإعلامه بإمكانية صنع قنبلة لم ير لها البشر مثيلا في قدرة القتل والتدمير.
في سنة 1942 انطلق “مشروع منهاطن” السرّي لصناعة القنبلة النووية.
في سنة 1945، في يومي 6 و 9 أوت القت القوات الأمريكية القنبلتين النوويتين لتقتل000 220 ألف شخص في لحظة واحدة.
للتاريخ كذلك فإن احد العلماء المشارك في “مشروع منهاطن” صاح وهو يشاهد نجاح -وهول-التفجير التجريبي لاول قنبلة نووية في الصحراء الامريكية: “الآن يمكن القول إننا أولاد قح…ة!”.
والسؤال الآن هو: بعد قنبلة الأمس النووية، ماذا يعدّ علماء الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا البيئية والفيزيا الكوانتية وغيرها من العلوم، لبشر الغد وأرض الغد؟ هذا طبعا ان بقى بشر و بقت أرض.
السؤال يُطرح والعالم يشهد حربا شعواء مدمّرة في قلب القارة الأوربية بين روسيا وأوكرانيا تستعمل فيها كل الأسلحة المتطورة ويُلوّح فيها بإمكانية اللجوء إلى السلاح النووي.
أولاد القح…ة لن يناموا أبدا هادئين.