الموسيقار د. محمد الڤَرفي
غير أن هذا التصنيف يبدو غير دقيق من الناحية التاريخية. فأول من بادر بالتلحين في قالب الأوبرا وبأدواته التقنية الغربية هو الموسيقار والعالم اللبناني وديع صبرا (1876-1952) الذي قدّم عام 1927 أول أوبرا باللغة العربية ألفها الأديب الأب “مارون غُصن” بعنوان “الملكين” وهي مستوحاة من الكتاب المقدّس تفسير صموئيل عن قصة شاؤول أول ملك لبني إسرائيل مع الملك داود الذي اصطفاه الرب دونه نبيّا.
ولم تكن هذه الأوبرا هي الأولى فقد سبقتها أوبرا “رُعيان كنعان” من ثلاثة فصول باللغة التركية لحنها ما بين 1917-1918 من تأليف الروائية والناشطة السياسية التركية “خالدة أديب أدِوار” ثم عقبتهما عام 1931 أبريت من ثلاثة فصول بعنوان “المهاجر” عن نص باللغة الفرنسية للكاتب الصحفي وعازف الفلوت Robert Chamboulan.
وهكذا فإن الريادة في هذا المجال تعود إليه دون شك إضافة إلى أعماله الأخرى للبيانو والمجموعات المصعّرة.
خالدة أديب صحبة كمال أتاتورك
ولمّا لم يكن في عصره معاهد متخصصة في تدريس الفنون تعلّم في الكنيسة البروتستانتية التي ينتمي إليها ودرس في الخاص عند غراس أمين شكّور وتيودورا كسّاب والبارون النمساوي فون روبلاين.
سنة 1892 حصل على منحة دراسية من القنصلية البريطانية مكنته من الالتحاق بكنسرفاتور باريس حيث تتلمذ لمدة سبع سنوات على أساتذة كبار في الهارموني، والتأليف الموسيقي، والمصاحبة بالبيانو والأرغن، وتاريخ الموسيقى والغناء:
لافينياك Albert Lavignac (1846-1916) وسان صانس Camille Saint-Saëns (1835-1921) وفيدال Paul Vidal (1863-1931) وماكس دولون Max d’Olonne (1875-1959) وديكودراي Bougnalt-Ducoudray (1840-1910).
وخلال إقامته التي امتدت 16 سنة عمل عشر سنوات عازفا قارا على الأرغن في الكنيسة الانجيلية للروح القدس بباريس. لحّن وديع صيرا أعمالا كثيرة في قوالب دينية متنوعة لصوت الباريطون من فصيلة صوته والكورال كالملاحم (oratorio) والترانيم (cantique) والقصائد مثل “هو ذا الصبح” لجبران خليل جيران، “هل انتهى كل شيء” لسعيد عقل والنشيد الوطني “يا مصر” للشاعرة ألكسندرا آفيرونا تمجيدا للزعيم المصري سعد زغلول.
كما لحّن النشيد الوطني اللبناني “كلنا للوطن/ للعُلى للعلم” شعر رشيد نخلة والذي فاز به في مسابقة وطنية وتم اعتماده عام 1927.
ويحتوي سجبلّ مؤلفاته معزوفات للبيانو منها تنويعات على ألحان شرقية كلاسيكيىة ( اسقني الراح، أهوى الغزال، قدّك الميّاس) وأخرى شعبية (الروزانا، الدبكة).
وفي عام 1908 لحّن النشيد الرسمي العثماني وقدّمه للبرلمان العثماني بإستمبول حيث أقام لمدة ستة أشهر. وقد ظل هذا النشيد يُعزف إلى ما بعد سقوط الخلافة بعشر سنوات.
وفي عام 1908 لحّن النشيد الرسمي العثماني وقدّمه للبرلمان العثماني بإستمبول حيث أقام لمدة ستة أشهر. وقد ظل هذا النشيد يُعزف إلى ما بعد سقوط الخلافة بعشر سنوات.
يعتبر وديع صبرا أب النهضة الموسيقية الحديثة في لبنان فهو من أنشأ أول مدرسة للموسيقى بلبنان عام 1910 التي سُمّيت في الأول “دار الموسيقى” ثم صارت حكومية عام 1925 فمعهدا “كنسرفاتوار بيروت الوطني” ترأسه حتى وفاته عام 1952.
لكن مع نشوب الحرب العالمية الأولى (1914ـ1918) أقفلت المدرسة أبوابها وعاد إلى باريس وقام بأبحاث موسيقية عديدة من ضمنها إيجاد آلة بيانو تخرج الألحان الشرقية.
واستعان في ذلك بجهاز قياس الصوت Sonomètre الذي تمكن بفضله أن يبني عليه البيانو الشرقي وأن يحقق ما سمّاه “السلم الموسيقي الكوني” la gamme universelle أي الجمع بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية في سلم موسيقي واحد يتناسب معهما.
وقد قادته أبحاثه في النهاية إلى اختراع مؤلف من لوحتي ملامس قادرة على أداء أرباع الأصوات المميزة للموسيقى الشرقية عرضها على مؤتمر القاهرة الأول للموسيقى العربية عام 1932.
“ويعد هذا الإنجاز الحجر الأساس الفني الذي يمكن أن يبنى عليه البيانو الشرقي، بل العامل الأسبق لإعداد ما يحتاج إليه هذا النوع من البيانو من القواعد والشروط المتعلقة بالأصوات والنغمات الشرقية، وتحديد نسبها ومراكزها تحديداً سليماً وصحيحاً”.
وديع صبرا الثاني إلى اليمين