بقلم عبد الجليل المسعودي
هل كان لابدّ من أن يتجاوز عدد الشهداء الغزيين الثلاثين ألفا- دون احتساب المفقودين والمدفونين تحت الأنقاض والمشوّهين والجرحى- حتى تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية التي، وكما يعلم الجميع تمتلك لوحدها قدرة إيقاف هذه المجزرة، وحتى تمارس بعضَ الضغوط على حكومة نتنياهو لقبول اتفاق هدنة مع حماس؟
هل كان لابدّ من أن ترسل الولايات المتحدة الأمريكية بعض الإشارات الإيجابية وتقوم بإسقاط جوي لبعض المساعدات لأهل غزة المحاصرين بالجوع والعطش، حتى يبدأ الضمير الغربي في الاستفاقة والتغيير في الخطاب ول”يكتشف” الإعلام في أوروبا فجأة هول المأساة فيطلق مقدّمو الاخبار خُطبا معدّلةً يضمّنونها ارتعاشات تأثّر وتعاطف؟
وهل كان لا بد من ان يطرق شهر رمضان الأبواب حتى يتذكر العرب المسلمون أن شعبا منهم، عربي مسلم مثلهم، جارٌ لهم، يُقتّل أطفاله ونسائه جوعا وعطشا، حتى يتحرّك حكاّمه المستكرشون ويتظاهروا بالوقوف والتضامن؟ ان حرب الإبادة التي تشنّها اسرائيل في غزة والتي تدخل اليوم شهرها الخامس، سيسجلها التاريخ بأنها حرب سقوط الأقنعة وكشف الحقائق.سقط القناع على العرب فاتّضح أنهم لم يتفرّقوا مثل ما هم متفرقون اليوم وأنهم كعهدهم القديم ما يزالون”يصلّون وراء علي ويأكلون على مائدة معاوية”.أغناهم فقير بجهله، وأقواهم نمر من ورق، وأكثرهم ادعاءً باستقلال قراره ينتظر وصول الأوامر.
ينادون في العلن بإنهاء قتل الغزيين ويدعون في الخفاء لنهايتهم حتى لا تنغصّ عليهم المأساة استمتاعهم بقصورهم وولائمهم وحريمهم، بينما يلجأ الغزاوييون لأكل التّبن تشبّثا بالحياة.
سقط القناع على أروبا التي وجدت في نصرة اسرائيل فرصة التخلّص من جرائمها التاريخية ضد اليهود، ولو كان ذلك على حساب قيّم العدل والحرية وحقوق الانسان التي لا تنفك تتشدّق بها وتعطي الدروس فيها لشعوب العالم. سقط القناع على أمريكةِ جوزاف بايدن فأبانت عن نفاق وشيزوفرينيا schizophrénie أكثر غموضا وخطرا.فهذا البلد الأقوى في العالم والأكثر تحيّزا لإسرائيل هو من يدعم حرب الابادة على غزة وهو، في نفس الوقت، من ينادي باستقلال دولة فلسطين، هو من يمدّ الجيش الإسرائيلي بافتك الاسلحة لقتل أطفال ونساء غزة وهو من يطالب بالحد من الأضرار، هو من يقبل تجويع الغزيين، وهو من يأمر بإنزال الاعانات عليهم جوّا.
انها فعلا حرب كشف التناقضات ونهاية اوهام القيّم الإنسانية…ولربما كذلك نهاية حضارة نخرها حب المادّة.