بقلم أحمد الحمروني
هل كنّا سبّاقين أو من السابقين أو حريصين على تجميل صورتنا في نظر العالم على أنّنا نواكب التقدّم العلمي عندما نظّمنا ندوة حول الإعلام والذكاء الاصطناعي في مطلع هذا العام (2024)؟
وهل قدّرنا الأمر على قدر خطورته وأعددنا الظرف لاستيعابه وتطويعه أم تابعنا التيّار الجارف دون وعي واستعداد؟
هل وجب علينا استقبال كلّ وارد من أمريكا وأوروبا وآسيا على أنّه خير كلّه كالغذاء والدواء أو بحلوه ومرّه كما قال طه حسين في إطار مذهبه العلماني التغريبي ومن وحي انبهاره بفرنسا ثقافةً وواقعًا في زمانه من القرن العشرين ؟
أليس من العقل والحكمة والحذر أن نتريّث لنرى ونقيّم ونقرّر ونغربل لنستفيد ممّا ننقل ونقتبس من كلّ مكان في حدود ما ينفعنا ويناسبنا بدل الثقة العمياء والتقليد الضّار والتبجّح بمواكبة ما يروّج له على أنّه تقدّم وحداثة؟
والأسئلة، وكذلك التساؤلات، أكثر من هذه ولو أنّها كافية للتنبيه من الغفلة وللحيطة من الخطر بعد أن سقطت الأقنعة المضلّلة والشعارات الكاذبة تبعا لحرب غزّة منذ 7 أكتوبر 2023 وحتّى قبلها عودة إلى حرب العراق وغير ذلك بعنوان المصالح الأمريكيّة والجرائم الصهيونيّة.
وخارج الجغرافيا السياسيّة وبصرف النظر عمّا تخطّطه الدول المهيمنة بالسلاح والتقنية على بقيّة دول العالم بما فيها الفقيرة والغنيّة بالنفط وغيره من الموارد الطبيعيّة لا أحسبني منفردا بجملة من المخاوف إزاء الذكاء الاصطناعي بعد أن سمعت أصواتا تشاركني نفس الشعور، وبعد أن رأيت متظاهرين معارضين لتوجّه حكوماتهم نحو مصير خطير.
وخطورة الذكاء الاصطناعي لا تقلّ عن خطورة السلاح النووي، بل هو التهديد المباشر للبشريّة وقد ظهر منه ما لا يبشّر بخير ويطرح السؤال: إلى أين نسير أو إلى أين يسير بنا التقدّم المادّي المتجرّد من القيم والمثل ؟
أوّل التباشير المفزعة أنّ العالم، بدءا بالدول الصناعيّة، سيستغني عن 40 % من مواطن الشغل، أي بنسبة مثيرة لاضطرابات اجتماعيّة وسياسيّة كتلك التي أفرزتها الثورة الصناعيّة منذ قرنين، يليها الأخطر على حياة الإنسان وبقاء النوع عندما تصبح الروبوطات (الإنسان الآلي) هي المتحكّمة في اختيارات الحكومة والمؤسّسة ومختلف مجالات الحياة العامّة.
فلا نستغرب ولا نستبعد حربا إلكترونيّة مدمّرة لجميع المعطيات المخزّنة بما فيها المتعلّقة بالبنوك والنقل ممّا يتسبّب في الفوضى العارمة والانهيار الاقتصادي بتوابعه.
وقد حصل شيء من هذا، أو كثير منه، في شكل اضطرابات مؤقّتة أصابت السوق الماليّة وأثّرت سلبا في المعاملات وأشعلت الأسعار وعبثت بسندات الشركات.
وليس من الخيال العلمي – الذي يبتدئ حلما وينتهي حقيقة- أن يقدح الذكاء الاصطناعي شرارة حرب عالميّة أمام عجز الإنسان عن التدخّل العاجل حدّا من الكارثة.
وليس من الجنون تفكير أشهر الأثرياء في إقامات معزولة في جزر أو في حياة على كوكب آخر، لكأنّهم استشعروا نهاية العالم القريبة.
ومن عبث الأقدار أنّهم هم السبب لما يتهدّد الجميع جرّاء تكنولوجيا جامحة لا تضمن السلامة ولا تحقّق السعادة. أكاد، في هذا الخضمّ، أصرخ:
” كفانا تقدّما” أو “يكفي ما رأينا”.
فهل أنا متخلّف؟
والله أعلم بالأقدار والساعة التي لا ريب فيها. وصدق المتنبّي في قوله:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله * وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ لا، ليس من العدل الذهاب بعيدا في التشاؤم والتخفّي بطريقة النعامة.
الذكاء الاصطناعي ليس كلّه شرّ وخطر، إنّما الشرّ والخير في عقول البشر.
ولا مهرب منه كسابق الاختراعات إلاّ بحسن توظيفه ودوام مراقبته حسب المبادئ الأخلاقيّة العامّة والأهداف الإنسانيّة النبيلة لجعله نعمة على درب التقدّم والتعاون والسلام.