بقلم عبد الجليل المسعودي
لا شك انه من السابق لأوانه استخلاص دروس نهائية مما حدث ليلة ما بين السبت والأحد الماضيين، والمتمثل في “إقدام” إيران على شنّ هجوم واسع بالطائرات المسيرة وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية على إسرائيل انطلاقا من أراضيها، بمشاركة حلفاءها حزب الله من جنوب لبنان والحوثيين من اليمن.
فرغم أنه كان منتظرا، ولربما “مرتّبا”، فإن ما حدث يمكن اعتباره تحوّلا كبيرا-وخطيرا-في واقع كما في تصوّر مسألة الشرق الأوسط، بدءً من القضية الفلسطينية الأم، وصولا الى فروعها وتفرعاتها العديدة في علاقة ايران بإسرائيل، وبالنتيجة، بالولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقة إيران بالعرب وعلاقة-او علاقات- العرب بإسرائيل…وكل ذلك، وإضافة إلى ذلك، تمثلات الإرث الثقافي والديني المتشعب، وتاثيرات التفاعلات الناتجة عن التطورات الإقليمية المتسارعة في منطقة هي الأكثر أهمية وحساسية في العالم.
واعتبارا لكل هذا فإن اي محاولة لتقييم ما حدث لا يمكن ان تتمّ إلاّ في شكل إشارات كما في لوحة رسم انطباعي في انتظار ان تتشكل الصورة النهائية.
الاشارة الأولى انها المرة الأولى منذ 75 سنة التي يتم فيها مهاجمة اسرائيل على أراضيها-أو ما تعتبره أراضيها- بهذه الكثافة وبهذا الاعتداد بالنفس، إذ ان الهجوم كان معلنا ومنتظرا. والدرس من هذا ان اسرائيل بعد ان فقدت أسطورة “الجيش الذي لا يقهر” في جنوب لبنان سنة 2006، فقدت ليلة ما بين السبت والاحد “أسطورة البلد المنيع” على يد دولة تبنّت قضية كان يمكن الاّ تكون قضيتها الوطنية ونجحت حيث فشل اصحابها العرب وبدأوا في التخلي عنها جهرةً.
الاشارة الثانية ان إيران تمتلك القدرة العسكرية والتكتيك والتصميم التي تمكنها من الوقوف بندية في وجه إسرائيل وتجاوز ما كان يعتبر “خطوطا حمراء” تستفيد منها اسرائيل في حربها المستدامة في الشرق الأوسط. والدرس هنا ان توازنا حقيقيا جديدا قد تشكّل بهذا الهجوم لا يمكن ان تتجاهله مستقبلا اسرائيل ولا حلفاءها التقليديون أو الجدد في المنطقة.
الاشارة الثالثة أن إيران ربحت على أكثر من صعيد: عززت جبهتها الداخلية، اكّدت مصداقيتها واستحقت ان تصبح الحليف الرئيس لقادة الجنوب الكوني وخاصة روسيا والصين في مواجهة الغرب الأوروبي والأمريكي، كما استحقت ان تكون في ذات الوقت، وبشكل متناقض، شريك إجباري يُستثاق به لدى القوى الغربية ذات المصالح العديدة والهامة في المنطقة، وعليها يتوقف السلم في المنطقة وفي العالم.
الاشارة الرابعة ان الخاسر مرة أخرى هم العرب الذين أثبتوا انهم يسيرون في عكس مجرى التاريخ وأنهم لا يزنون شيئا على ركح العالم. فرغم اعدادهم وثرواتهم وأراضيهم وبحورهم إلاّ انهم خيّروا الاستقالة بأنفسهم والاستلام لما يحدث واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.
ولعل ذلك هو الدرس الثابت الوحيد