بقلم عبد الجليل المسعودي
لم يكن مطلوبا من لطيفة العرفاوي فعل شيء آخر خلال مشاركتها في مهرجان طبرقة غير الغناء. لكن هذه المطربة التونسية التي خيّرت الهجرة الى مصر، من حوالي اربعين سنة، بحثا عن الشهرة عبر ما تسميه هي وكثيرات من فتياتنا اللاّتي اخترن العيش في بلاد الفراعنة “بحثا عن الانتشار العربيّ”، ارتأت ان تخرج عن وظيفتها الغنائية و”تتحدث”، بين اغنية واخرى، في قضية على غاية من التشعّب والتعقيد: إنها قضية تواجد المهاجرين الغير نظاميين من جنوب الصحراء في بلادنا.
وطبعا، وبسبب قلة إدراكها لكل عناصر هذه القضية في خصوصياتها وعمومياتها، وبسبب إرادتها المعلنة والمبالغ فيها إثبات انتماءها التونسي، كان حديث العرفاوي خارج النصّ. بل أكثر من ذلك، كان حديثها سيئا، مضرّا، ومن شأنه ان يعمّق جرحا كاد التونسيون ان يتعودوا به ويتعايشوا معه رغم المتاعب والمصاعب.
لم يكن أحد يشكّ في “تونسيّة” لطيفة العرفاوي وغيرتها على بلادها أكثر من غيرة أبنائها الماكثين فيها، كما لم يكن بإمكانها تجاهل أن مصر التي تبنّتها هي، في اساسها، بلد إفريقي وُلد من رحم الهجرة. وكذلك تونس التي ارادتها الجغرافيا وثبتها التاريخ والثقافة كجسر تواصل بين القارة السمراء وقارات العالم الأخرى. فلمذا كل هذه الحماسة المفرطة وهذا التملق وهذا الاصرار على المزايدة في تبني خطاب رسمي قد شهد هو نفسه تغيّرا واضحا؟ هل طلب منها منظمو المهرجان التعبير عن كذا موقف؟ ثم هل كان مفروضا على أي مطرب أو فنان آخر ان يتبنى خطابا سياسيا من طبيعته التحوّل والتغيّر حسب ما تمليه المستجدات على على أرض الواقع؟ بل أليس من دور الفنان الحقيقي ان يكون من الجانب الآخر من المواقف الرسمية، متعاطفا مع كل المعذبين في الأرض وعلى رأسهم اليوم هؤلاء المهاجرين الجنوب-صحراويين الذين يجسّدون إحدى أكبر تراجيديات هذا العصر؟
بدعوتها على خشبة المسرح هؤلاء المهاجرين الى مغادرة البلاد بالقول والحركة المبتذلة، اثبتت المطربة العرفاوي انها لم تفهم شيئا من الفن الذي تتدعي ممارسته، وأنها، مرّة اخرى، فوتت عن نفسها فرصة ثمينة للسكوت.