بقلم عبد الجليل المسعودي
لم ينس العالم ذلك المشهد الرهيب والمؤثر الذي تداولته التلفزات في العالم للشهيد اسماعيل هنية وهو يتلقّى في المباشر خبر استشاد أبنائه الثلاثة واحفاده الذين اغتالهم الجيش الإسرائيلي في غزة المجتاحة، بواسطة صواريخ اطلقتها طائرة على مركبهم. كان ذلك يوم 10 افريل الماضي الذي يصادف يوم الإحتفال بعيد الفطر، وكان ابناء هنيّة في طريقهم لتبادل التهاني مع ذويهم كما تقتضيه التقاليد في يوم تسامح وسلام. اسماعيل هنية تلقّى الخبر بشجاعة وتماسك لا يقدر عليهما الا الكبار، وهو يقول:”الله يسهل عليهم…الله يسهل عليهم”، ثم واصل جولته في مستشفيات الدوحة يتفقّد الجرحى الفلسطينيين الذين وصلوا الى العاصمة القطرية لتلقي العلاج. الشهيد هنية سيضيف لاحقا”أن دم أبنائه واحفاده ليس أغلى من دم باقي ابناء الشعب الفلسطيني.
اسماعيل هنية عاش بطلا ومات شهيدا. نضاله واستشاد 60 من عائلته في أقل من سنة حرب بشعة، كرّست موقعه في التاريخ الفلسطيني كبطل مثالي. وجاء أمس استشهاده ليثبّت مكانته كرمز المقاومة والصمود. ولأن الرموز لا تموت وتحيى ماحيت القضايا التي نشأت من أجلها، فإن اسماعيل هنية سيبقى حيّا يرزق عند ربّه وفي ضمير ووجدان الشعب الفلسطيني المكافح من أجل إحقاق حقه في تقرير مصيره على أرضه المغتصبه، حرّا كريما.
واغتيال الجيش الإسرائيلي لاسماعيل هنيّة بمثل ما اصبح يميز دولة إسرائيل من صلف وعنجهية وازدراء بكل القوانين والأعراف وبالشعور المعروض بالافلات من العقاب، وليُقيمَ الدليل على أن قادة هذه الدولة، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، قد فقدوا البوصلة السياسية والاخلاقية وأظهروا تعطّشا متزايدا لاراقة الدماء ورفضا باتّا لأي سلام عادل وحقيقي.
إنها جريمة تثير في وجدان كل ضمير إنساني حرّ، مشاعر السخط والغضب. ليست فقط لأنها تغتال قائدا لحركة مقاومة تحوّل بفضل ثباته وتضحياته الكبيرة الى محاور أساسي حتى لؤلئك الذين أعلنوا رفضه، بل لأنها تضرب عرض الحائط بكل القيم الحضارية الإنسانية، ولتجسّم على أرض الواقع، في المقابل، مبدأ حقّ الأقوى تكنولوجيا وعسكريا في فعل ما يريد، كما يريد. والكلّ يعلم أن زيارة الوزير الأول الإسرائيلي نتنياهو لأمريكا منذ أسبوع، وما لاقاه من ترحيب وتبجيل، وما حظي به من دعم ومساندة، كانت بمثابة تسليمه رخصة بالاغتيال والقتل لم يتأخر في استعمالها في غزة دون توقف، ولكن ايضا في بيروت وطهران.
إنها جريمة تثير كذلك، وفي ذات الوقت، احساسا عميقا بالمرارة واليأس إزاء أنظمة عربية عرّت حرب غزة مدى ضعفها وتخاذلها وفقدان شعورها بالفخر والهوية، فاختبأت خلف ذرائع كاذبة سمّتها الحكمة والتروي والاتزام بالوفاء للمواثيق. والحقيقة انها لا تزن شيئا في العالم رغم بترولها وغازها وأموالها.
وفي الاثناء يُغتال الرجال الذين رفضوا الظلم والاستكانة والقبول بالأمر الوقع والمساواة بالأرض والعرض.
ان اغتيال هنية هو اغتيال كل نفس حرة، سيّدة، أبيّة.
.
.
و.