هذا العام أيضا لن اشتري الكرموس (التين) رغم حبي الشديد لهذه الثمرة اللذيذة.كنت اتخذت نفس القرار في صيف السنة الماضية ولم اذق حبة واحدة من الكرموس، ولم أندم على قراري. لأن نفس الاحساس أن المواطن المستهلك أصبح محلّ سخرية وتلاعب من التجّار و”السمسارة”يحددون أسعار المواد والمنتوجات كما يريدون بلا حسيب ولا رقيب، هو ما جعلني ويجعلني اتخد هذا الموقف الرافض والمقاطع.
أعلم أن مواطنين غيري يشترون الكرموس بالثمن الذي يباع به اليوم، وربما بثمن أرفع. أما انا فلا يمكنني ذلك. لا ماديا ولا نفسانيا. بل إني سوف أرى نفسي، كمن يشارك في جريمة اخلاقية لو اشتريت بمثل ذاك الثمن منتوجا محليا كان لسنوات غير بعيدة يملأ اكشاك اسواقنا الشعبية، وأنا أرى في نفس الوقت الكثيرين من أبناء وطني يشقون لتحصيل ثمن الخبزة بجمع قوارير البلاستيك من حاويات القمامة.
نسيت ان اقول لكم إن آخر تسعيرة للكرموس رأيتها كانت فوق الأربعة وعشرين دينارا (24) للكيلو الواحد، ما يعني ان الكرموس القادم من نابل هو اليوم أغلى سعرا من الموز المهرّب الذي قطع المحيطات.
تقول كتب التاريخ ان الكرموس كان سببا في القضاء نهائيا على الامبراطورية القرطاجنية لأن هذه الثمرة كانت جيدة ومنتشرة في كامل البلاد وكانت تبشّر بعودة القوة والازدهار لقرطاج بعد هزيمتها في الحرب البونيقية الثانية التي دارت رحاها بزامة (سليانة حاليا) أمام غريمتها الامبراطورية الرمانية. ويقال إن السيناتور كاتون القديم زار قرطاج واشترى من أحد اسواقها حبّات من الكرموس وألقاهم أمام مجلس الشيوخ ليقيم بذلك الدليل على استعادة قرطاج لمجدها وهو يردد:”يجب تدمير قرطاج!”
سؤال افتراضي: ماذا لو تمّت زيارة كاتون اليوم، هل كان سيجد الكرموس في تونس، وهل كان يقبل ان يشتريه لو وجده بالثمن الذي يباع به اليوم، وهل كان سيقنع روما بإرسال جيش لشن الحرب البونيقية الثالثة التي ستنهي قرطاج وتغيّر مجرى التاريخ؟
محسن الاسمر