أبعد مما قد تكون نتائجه على الميدان وما يمكن ان تؤدي عواقبه من ردّة فعل وردّة فعل معاكسة يمكن أن ترمي بالمنطقة بأكملها في دوّامة جهنميّة لا يمكن لأحد ان يتكهّن بمآلاتها، فإن الهجوم الصاروخي الإيراني أول أمس، الثلاثاء، على الأراضي الإسرائيلية كان له تاثير مباشر مؤكّد. لقد أنهى دور العرب وأخرجهم نهائيا من لعبة الصراع التاريخي العربي-الاسرائيلي الذي مثّل لأربعة أجيال كاملة القضية المركزية الأولى التي قُدمت من أجلها التضحيات الجسام وسالت في سبيلها أنهار من الدماء…
وللحقيقة فإن هذا الدور انتهى منذ اكتوبر 1973 وبدأ العرب ما-بعد- الصدمه-البتروليه يتخلّون عن القضية شيئا فشيئا حتى انها اصبحت اليوم عندهم مسألة ثانوية لا تكاد تعنيهم، فاحتضنتها ايران في المنطقة وجعلت منها قضيتها المركزية في حين ان العرب أصحاب الثروة والتأثير اصطنعوا لهم قضايا أخرى استخرجوا بعضها من غيابة جبّ التاريخ.
لم تكن القضية الفلسطينية منذ تشكّلها في مطلع منتصف القرن الماضي مسألة صراع من أجل تحرير أرض محتلّة وحسب، بل هي أكثر من ذلك بكثير. هي قضية وجود وقضية هويّة ، وقضية مشرو ع حضاري. وهي قضية حريّة، وقضيّة كرامة، وقضيّة إنسانية الإنسان. ولقد ساعدت القضية الفلسطينية في خضمّ تشتت الشعوب العربية وترديهم في التخلّف الحضاري والأميّة العلمية على المحافظة، لأكثر من نصف قرن، على حدّ أدنى من وحدة العرب ومن التضامن العربي، ومن الانسجام في الموقف العربي.
تخلى العرب عن قضيتهم فتخلّت عنهم، ولم يبق لهم حضور في الساحات الدوليه، ولم تعد لهم كلمة مسموعة في المنابر العالمية، ولم يعد يُحسب لهم اي حساب في ادارة شؤون العالم. انتهى الدرس وانتهت اللعبة واصبحت هياكل ومؤسسات العرب ديكورات للزّخرفة وقوقعات فارغة ، وأوّلها تلك المسماة “جامعة الدول العربية” والتي قررت أن تدعو اليوم الى “اجتماع طارئ”…بعد خراب البصرة.
تخلى العرب عن قضيتهم، فلسطين، فازداد تفرّقهم ونمت الكراهية والبغضاء بينهم، واضحت اجيالهم الصاعدة دون مشاريع ولا مثل عليا ولا اهتمامات كبرى غير التكالب على سلع الترفيه والاستهلاك، أو ركوب زوارق الهجرة.
سؤال لا يمكنني تجنّب طرحه: لماذا لم يقدّم احمد ابو الغيط استقالته من أمانة الجامعة العربية الى حدّ الان وهو البالغ ال82 من عمره؟ كنّا على الاقلّ نحفظ بعض ماء الوجه. الشادلي القليبي فعلها سنة 1990.