مرة أخرى يفوز منتخب تونس، في ظروف درامية، في الدقيقة الأخيرة، بضربة حظ، ضد فريق متواضع من بلد يُعتبر احد أفقر بلدان القارة، لا يتوفر حتى على ملعب كرة قدم يستجيب للشروط الدنيا المطلوبة. ورغم ذلك فقد نجح لاعبو المنتخب الملغاشي في الوقوف وقفة الندّ للنّد في وجه نسورنا وأربكوهم، وجعلونا نحن المشاهدين نتصبب عرقا باردا لما يزيد عن الساعة ونصف الساعة خوفا من الهزيمة.
كان لابدّ من تحديد المسؤول عن هذا التعثّر او شبه الفشل . لم نتعب في ايجاده: انه حارس المرمى، الشاب امان الله مميش الذي فشل في اقتناص كرة الركنية الملغاشية رغم سهولتها وادخلها الشّباك ليسجّل هدفا ضدّ فريقه. وفي لحظة سريعة قام الجميع من مقاعدهم كما في مسارح روما القديمة واشاروا بإبهام مقلوب ليَدينوا الحارس الشاب ويحكموا عليه بالإبعاد والإقصاء وليحوّلوه من بطل الأمس الى منبوذ اليوم.
وكان أول المنقلبين على الحارس الشاب هو ناخبه، قيس اليعقوبي، الذي سارع بإبداله بدعوى “حمايته”. أي حماية، يا سيد اليعقوبي، هذه التي تخرج بموجبها شابا يافعا لم يبلغ بَعدُ العشرين سنة لانّه ارتكب خطأ ولو كان فادحا وتأكّد بذلك، فعليّا، حكم بعض الجماهير المتقلّبة المزاج أو ذات الحسابات المخفية أو النوايا المغرضة، المدّعية أن امان الله مميش قد تراجع مستواه ولم يعد يصلح لحراسة مرمى المنتخب؟
كان عليك يا سيد اليعقوبي أن تتفطّن لعدم جاهزية حارسك قبل الزجّ به في المقابلة، وإلاّ فكيف يمكن القبول بانّك تصلح أن تكون ناخبا وطنيّا؟ اما بعد ارتكابه للخطإ الذي ارتكبه، فكان عليك أن تواصل منحه ثقتك حتّى وإن اعتراك الشك، لأنّ دورك يتطلب منك تلك المسؤولية الوطنية السامية التي تفرض عليك فعلا أن تحمي احد اعضاء مجموعتك الذي كان في وضع صعب، وتواصل منحه ثقتك وتأكيد دعمك. لكنّك اخترت الحل الأسهل يا السيد اليعقوبي، واخرجت الحارس المخطىء ولربّما، وانت تفعل ذلك، قد ضحّيت بشابّ لم ينفكّ يثبت انه مشروع حارس مرمى كبير.
الحقيقة، سيّد اليعقوبي، أنك لم تحم امان الله مميش حين أبدلته خلال المباراة، ولكن حميت نفسك وخدمت مصالحك واردت أن تثبت أنك جدير بتحمّل مسؤولية الناخب الوطني لانّك فزت باللقاء ضد مدغشقر المتواضعة ورشحت تونس لكأس أمم إفريقيا. لا يا سيد اليعقوبي، ما فعلته إزاء الشاب مميش يؤكّد انك لست جديرا بأن تكون ناخب النسور.
عبد الحميد الزغلامي