
سقط نظام الأسد فهرب الأسد. أو ربما العكس: هرب الأسد فسقط النظام.
الحقيقة أن بشار الأسد الذي “ورث”عن أبيه، حافظ، رئاسة الجمهورية العربية السورية سنة 2000، كان في وضع “هروب الى الأمام مستمرّ”منذ ثلاثة عشر سنة(13) حين رفض الاستجابة -بل وحتى الاستماع- لمطالب شعبه الذي نزل منذ مطلع شهر مارس2011، في سياق ما سمّي عندئذ بموجة “ثورة الربيع العربي” التي انطلقت شرارتها من تونس. قامت الثورة السورية في البداية في شكل احتجاجات على خلفية سجن مجموع أطفال في مدينة درعا، وقوبل رفض طلب اوليائهم إطلاق سراحهم بإطلاق النار عليهم وقمعهم. اشتعلت الثورة وتحوّلت سريعا الى حرب أهلية ذهب ضحيتها أكثر من نصف مليون شخص، وهجرة -او تهجير-أكثر من ستة ملايين، وتعطّل ميسرة البلاد الانمائية وخروج أجزاء من ترابها عن سيطرة الدولة وتحوّلها الى بؤرة للاهاب والتوتّر.
لماذا اختار بشار الأسد القمع والعنف وهو يعلم أن شعبه يطمح منذ عقود الى الحريّة والديمقراطية وممارسة حقّه في المشاركة في شؤون بلده؟ هل لانّه استسهل حلّ الإستبداد وفضّل منطق القوّة على قوّة المنطق والحوار؟ أم لأنه غلب عليه إرث والده حافظ الأسد الذي حكم سوريا بقبضة من حديد لحوالي ثلاثين سنة؟
مهما كانالجواب فإن حكم بشار الأسد سيبقى قصة اخفاقات لا تنتهي، نذكر منها اخفاقين رئيسيّين، الأول حين تولى الحكم سنة 2000 وبادر بفتح قنوات الحوار وأعطى الفرصة لتنظيم المنابر الفكرية والسياسية فهبّت رياح الحرية واحسّ السوريون بميلاد أمل جديد مع هذا الرئيس الشاب الذي يقود سيارته لوحده ويتردد على مطاعم المدينة. لكن سرعان توقفت عملية التغيير وعادت حليمة الى عادتها القديمة واستعاد النظام قبضته على المجتمع وضيّق فضاءات الحرية وفتح أبواب السجون امام أصحاب الرأي المخالف.
اما الفرصة التاريخية الثانية التي اضاعها بشار الأسد فكانت خلال الخمس السنوات الأخيرة حين تمكّن بدعم من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، من استرجاع سلطته على كل أو جلّ التراب السوري وتحييد معارضيه وإعادة مكانتها لسوريا بين الدول العربية. وكانت الظروف مهيأة لتحقيق مصالحة وطنية عبر حوار يجمع كل الأطياف السياسية في البلاد، وإفراغ السجون من المعارضين، وفتح سبل العودة أمام الملايين من المهجّرين المشتتين بين عديد البلدان حيث يعانون الفقر والتمييز والتهميش.
لكن بشار الأسد تفنن في إضاعة الفرص وتجاهل أصوات شعبه المنادية بالحرية والمساواة، وأمعن في سياسة القمع وتكميم الافواه. كيف لم يدرك الرئيس الشاب الحاكم لأحد ارقى الشعوب حضارة واعرقها تاريخا، والذي درس في أكبر البلدان الأوروبية تطورا، أن العالم تغيّر، وان سوريا تبدلت ، وأنه لم يعد بإمكانه أن يحكم كما حكم ابوه، وأن لا مناص من تمكين شعبه من حقه في الديمقراطية؟
لم يدرك أو لعله رفض أن يدرك فكانت النتيجة المحتومة: سقوط نظامه وهروبه وترك سوريا تواجه مصيرا مجهولا قد يرمي بها في اتون العنف والتطرّف الديني وربما-لا قدّر الله-الإنقسام.
ومرّة أخرى ستنبري الجارة، إسرائيل، تقول للعالم ،متبجّحة، إنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وأنها محاطة بأنظمة دموية لا تحترم شعوبها ولا تقدّر حقوقها.
ة