
عام مضى وعام سيمضي والأيّام تجري بنا كالريح في “البرّيمة”. ومن عام إلى آخر آمال تتحقّق وأخرى تتأجّل، ونحن بين العامين نتبادل التهاني والأماني ونترقّب تكهّنات المشعوذين والعرّافات. ولكلّ شغل وأجر، ومن دفع بسخاء جنّبوه البلاء وبشّروه بالرخاء، ومن لم يدفع توعّدوه بالكوارث والفناء. ورغم الظروف احتفلنا برأس العام في دفء العائلة وتابعنا شماريخ العواصم على التوالي، ولكنّنا لم ننس مأساة إخواننا بين نار الدمار والإبادة وبين الأمطار السائلة في قبضة البرد والجوع، والعالم يحتفل غير مبال.
ونحن أيضا لا نتّعظ بالماضي ولا نقيّم ما فات ولا نخطّط لما هو آت. غيرنا يفكّر في محلّنا ويبرمج لنا حسب مصالحه ومطامعه. كذلك نحن في جميع شؤوننا الكبيرة والصغيرة متعلّلين بعبارتيْ “إن شاء الله” و”كان عشنا “ومنكرين قول الشابي حين قرن استجابة القدر بإرادة الحياة. وماذا بقي للعمل؟
أمّا السنة الإداريّة، كما عرفتُ الوظيفة العموميّة، فمثقوبة بالأعياد الدينيّة والوطنيّة، ومخفّفة براحة يومين في نهاية الأسبوع، ومقروضة برخص المرض والإجازات السنويّة وحتّى بالطقس إذا اشتد البرد أو ارتفعت الحرارة. ويوم الإدارة في الغالب نصف يوم، بعد نجاح تجربة العمل عن بعد بالهاتف الجوّال أو الذكيّ أو بالحاسوب في عام الكورونا. ومن اضطرّ إلى الحضور في المكتب فأمامه الحاسوب للّعب، والأجوبة جاهزة للمواطن، فـ”الملفّ تحت الدرس”، و”الخلاص رهن نظر مراقب المصاريف” و”ارجع الشهر القادم” بدل “ارجع غدوا”.
وأمّا السنة الدراسيّة، ومثلها تقريبا الجامعيّة، فإنّها تنطلق رسميّا في أكتوبر وان افتتحت في منتصف سبتمبر، وتختتم رسميّا في آخر جوان وفعليّا قبل نهاية ماي لفسح المجال للامتحانات من باكالوريا وغيرها. وفي الأثناء تتعاقب، زيادة على الأعياد العديدة، عطل الشتاء والربيع ونصف الثلاثي الأوّل والثاني، وتتوقّف الدروس مرّتين، طيلة أسبوع الفروض التأليفيّة مشفوعا بأسبوع الإصلاح، ورخص المرض بلا حساب. وليس أفضل من رخصة الولادة والحضانة على حساب الدروس حفاظا على العطلة الصيفيّة. والنتيجة أنّ البرنامج لا يتمّ إلاّ بالدروس الخصوصيّة. فما أشبه المدرسة والمعهد والكلّية بمقهى الموعد والمدينة الثقافيّة في اللقاءات وتبادل المرفّهات والمنشّطات !
وأمّا السنة الثقافيّة فهي أقصر من السنة الدراسيّة إذا لم نعتبر المهرجانات الترفيهيّة. فيها أيّام قرطاج سينمائيّة ومسرحيّة وموسيقيّة، ومعرض الكتاب الجهوي والدولي، وليالي رمضان، وندوة هنا أو هناك حسب الاجتهاد. وشعار كلّ ذلك “البائت المسخّن” أو “طاحونة الشيء المعتاد”.
ولا أريد التعليق على السنة التشريعيّة والسنة القضائيّة احتراما للمقامات واعتصاما “بالسكات”. وبقيت الإضرابات والاحتجاجات فهذه حقوق وسياسة نقابات، أعني “بدون تعليق”.
وأخيرا، ماذا بقي للتنمية والاستثمار والسيادة والدينار؟ وكلّ يوم وتونس بخير، مقارنة بالغير. و”إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال” (الرعد: 11).