
خلافا لما هو معهود في هذا النوع تبدأ المسرحية بمقدمة موسيقية قصيرة تضع المتفرّج منذ البداية في صلب الموضوع. ينتصر الملك الغازي “فاتك المتسلّط” ويدخل مع جنوده داخِلَ الأسوار ويطلب إلى مِدلِج زعيم الجبل الاستسلام. لكن مدلج يرفض ويفضل الموت أمام بوابة القلعة على أن يقبَل طائعا دُخولَ الغُزاة.
تمر السنون على وقع دقات عصا عجوز. دام الاحتلال عشرَ سنوات كان الأهالي خلالها ينتظرون مجيءَ مُخلِّص. وتقول الحكاية إن “مدلج” كانت له ابنة صغيرة اسمها “غربة” اختفى أثرها منذ دخول المحتلين. فهل ماتت أم هرِبت مع الذين هربوا ؟
فجأة تأتي غربة وقد أصبحت صبية ناضجة فيفرح الأهالي ويستقبلونها بحماس. لكنها تُفاجأ بأن الأهالي يرتدون الأسود فتطلب منهم إبدالها بثياب براقة ليعود الفرح والأمل إلى البلد لأن الشعوب الحزينة لا تستطيع أن تبني بلدها إلا إذا نزعت عنها مظاهر اليأس.
بعد دعوة الأهالي إلى نزع مظاهر الحزن واليأس والاحتفال بالفرحِ الآتي تذكّر غربة سكانَ جبال الصوان بضرورة التمسك بالأرض والإخلاص للوطن، وهي قِيم أخلاقية ثابتة لا يخلو منها عمل من أعمال الرحباني.
يدور حوار بين غربة وفاتك المتسلط ومعاونيه تتحدى فيه المحتلَ بكل أنفة وثبات وتتوعده بتخليص الجبل من شره. ويعجب القائد: كيف وهي لا تملُك عسكرا أو سلاحا ؟ فتُجيبه بأن الحق لا يموت ما دام وراءَه طالبٌ. غير أن فاتك يهزأ بها ولا يُعيرها اهتماما وفي الوقت نفسه يأمر بأن توضع تحت المراقبة هي وباقي الأهالي.
لكن الوضع المتأزم بين العدو والسكان لا يمنع قيامَ الحركات السرية والاستعدادَ للمقاومة. وأول أسبابها هو الفرح وبدءُ البناء، لأن الإنسان كما يقول الرحباني “لا يُدافع عن الخراب ولكن عن بلد عامر ومزدهر”. وتأخذ المقاومة في بدايتها شكل الاحتفال بعيد العنب وقد استأنفه الأهالي بعد سنوات من الصمت.
في إطار نقدهما للمجتمع اللبناني يَطرح الأخوان رحباني موضوع الرشوة التي تغري المواطنين وتجعل منهم وُشاةً للسلطة الحاكمة. وفي حوار يدور بين أحد قادة الجيش الغازي والعميل “شهوان” تفسيرٌ لانصياع الناس إلى رنينِ النقود وانجذابٍ إلى سحرِها.
ينتبه أعوان فاتك ومُساعدوه إلى تحركات الناس فيَنشُرون البلبلة بينهم ويُشيعون حكاياتِ اختطافاتٍ مُزيفة في محاولة يائسة لوئد الثورة. وتظهر غربة مرة أخرى لتزيلَ الأوهام وترفعَ الخوف عن الأهالي ولتؤكد أن المحتل لا يمكن أن يعتقل جميع السكان. فكلما سقط منهم واحد قام البقية ليُكْمل المِشوار.
رغم أن مسرحية جبال الصوان لا تروي تاريخا مُحددا ولا تنتمي في الظاهر إلى شعب دون آخر إلا أن الأخوين الرحباني لا يستطيعان كبح جماح الفيض الوُجداني الذي بداخِلِهما ولا انتماءهما المسيحي فيُنهيان الفصل الأول بابتهال وتضرّع إلى النبي يسوع تغنيه غربة بخشوع وتأثر عسى يُساعدَها على الصمود.
والملاحظ أن المعاني المتضمَنة في هذه الأغنية تشرَب كلها من نبع الإنجيل والديانة المسيحية التي تشاء أن يتحمّل المسيح آلام البشرية ويحمِل حقَّ المظلومين على عاتقه.
وتمثل ساحة القرية فضاءً تقع فيه أطوار المسرحية وتتبلور فيه شخصياتها وملتقى لأهم العناصر المكونة للاحتفال المسرحي وهي: الغناء والحركة والتمثيل.
فالساحة هي خاصة النقطة المركزية في هندسة الفضاء المديني الذي يرسمه الرحباني على النمط الإغريقي حيث يلتقي الأهالي لإقامة تظاهراتهم الاجتماعية ومناقشة المسائل المصيرية.

يقول عاصي الرحباني إنه هو وأخوه من ابتدع المسرح الغنائي اللبناني وإن هذا خلقٌ رحباني محض له خصائصه ومقوماته المتميزة عن بقية المسارح من هذا النوع.
فالمسرحية الرحبانية هي مزيج من الشعر والنثر والغناء والحوار العادي والمشاهد الهزلية واللوحات الاستعراضية فيها الموسيقى وفيها الرقص والغناء الكورالي. كل هذه العناصر تجمعها قصة ذات عقدة وحل.
ويقول الباحث نبيل أبو مراد إن المسرحية فيها توازن بين الشكل والمضمون فهي لا تُغلّب عنصرا على الآخر. للقصة فيها مكانتها الأساسية وللمضمون قيمته الفكرية الروحية التي لا يمكن التنازل عنها لصالح الاستعراض.
(يتبع)