
لا شكّ أنّ الكتابة الأدبيّة الإبداعية وأيضًا أنّ الرّصيد الأدبي التّونسيّ هو وطنيّ ومغاربّي وعالميّ وإنسانيّ، لا أعلى قيمة ولا أقلّها من أيّ رصيد إجتماعيّ أو إقتصادي تونسيّ. ذلك أنّ الكتابة أو الفكر أو الفنّ إنّما هو مشروع إقتصاديّ وإجتماعي لا يحتكره أحد سواء كان فردًا أو مجموعةً أو منظّمةً أو هيئة رسمّية بل هو مفتوح للجميع ليساهم فيه الجميع إذ الغاية – ولو كانت لا شعوريّة – بلغة العلم اليوم – أو هي من – تحصيل الحاصل – بلغة الشّعب – هي بنَاءُ حضارة تونس على أعمدة الفكر الواعي والفّن العالي والكتابة العبقرية والمرجعيّة. والحضارة لا تُشيّد فقط بالسّياسة المتبصّرة والحكمة على مدى زمنيّ مثابر ولا بالمال والتّجارة والصنّاعات فحسب ولكن أيضًا بالأعمال الفكرّية والأفعال الفنّية بالنّسبة للوقت الحاضر وللزّمن الآتي خاصّة. ونحن نترجم كلّ ما قدّمناه في السّطور السّابقة إلى معاني الإبتكار والإبداع والبحث والإختراع والإستنباط في كلّ مجال من مجالات المعرفة، وتونس لن يفوتها شيء من ذلك!!!
في هذه الإشكاليّة الوطنيّة تكتسب أعمال المعرفة والفكر والفنّ والكتابة في عصرنا التّونسيّ الحاضر مشروعيّة الوجود والدّعم المعنوي والأخلاقي والإجتماعي والإحترام القِيَمي سواء بسواء مع قطاعات حيّوية أخرى ماديّة يوميّة على آمادٍ طويلة مستقبلية منتجة.
على عهد الإستعمار، لم يكن الكُتّاب والشّعراء والفنّانون التّونسيون محترمين بشكل موضوعيّ وقيّمي (أقصد غير الاحترام الأخلاقي) في المجتمع لا من قبل رؤوس الإستعمار وأذنابهم الّذين كان لهم مشروع فَرْنَسَة البلاد، ولكن أيضًا من طرف بعض النّخب المتعلّمة والمثقّفة التّونسيّة. ويظهر ذلك جليًّا لعين البصير ما وقع في مؤتمر الإفخرستي عند رأس الثّلاثينات من القرن العشرين، تلك الفضيحة ويا لها من كارثة!
لقد كان الكاتب حامي حمى الكُتّاب والشّعراء زينُ العابدين السّنوسي والكاتب الشّاعر المحقّق الموسوعي محّمد المرزوقي والشّاعر أبو القاسم الشّابي والمؤرّخ الباحث حسن حسنى عبد الوهّاب والكاتب القصصى الصّادق الرّزقي والكاتب الإعلامي نور الدّين بن محمود ومؤرّخ التّصوّف البُهْلِي النّيّال والكاتب المسرحي محمد الحبيب وآخرون من طبقتهم قد عمّروا الصّحف اليوميّة التونسية بالّلغة العربية والمجالّات بأعمالهم الفكريّة الثّريّة الّتي لم يلتفت قليل من النّاس إليها إلّا خلال أواسط السّنوات السّتين من القرن الماضي وقد كانت تلك الصّفحات الأدبية والثّقافية في الجرائد والمجلات ليست محلّ عناية التّعليم الوطني التّونسي وإنّما كان مرجعهم أدب المشرق القديم وخاصّة المعاصر وثقافة فرنسا وفنونها كأنّ الأدب التّونسي والفنّ التّونسي لا يحظيان بأيّة عناية من المدرّسين الّذين يُكَوِّنُونَ المتعلّمين والمثقّفين التّونسّيين وبالتّالي فهؤلاء التّلاميذ والطّلبة لا يهتمّون بدورهم بالأدب والفنّ التّونسيين إلّا في القليل والنّادر… وكأنّ الكُتّاب والشّعراء التّونسيين قاصرون أقزامٌ ليسوا مثل فِيكْتُورْ هُوقُو أو بُذلَار أو بالأحرى ليسوا مثل طه حسين وأحمد شوقي ونجيب محفوظ والدكاترة زكي مُبَارك، ولذا لا يبالون مطلقًا بالإبداع التّونسي في القصّة والمسرح والشّعر والرّواية. ومعلوم أنّ الّلامبالاة هي ألّد أعداء الإبداع الأدبي والفنّي كما هي ألّد أعداء القراءة والكتابة والكِتَاب، رغم أنّ هناك استثناءات في جميع المجالات التي ذكرتها آنفا وهي قليلة جدًا ولكنّها نورانية زاهرة.
وأسئلتي الأخيرة في آخر هذا المقال: متى ترتفع الّلامبالاة عن تونس الأدب والفكر والفن وعن المبدعين التّونسيين؟ ومتى يقع إحترام المبدعين التّونسيين ويكفّ الضّحك عليهم والسّخرية منهم؟ وفي المقال القادم نوافي من يقرأنا باقتراحاتنا حول النّهوض بتونس الأدب والفنّ والعلم والفكر…
ع.م