
نواجه خطرا لا يقلّ ضررا عن المخدّرات هو الأفلام والمسلسلات التي أبدعنا فيها بقدر إبداعنا في “الصحن التونسي” الأكلة التي فيها كلّ شيء كتلك الأعمال التي فيها، هي أيضا، كلّ شيء إلاّ الفنّ. وأكثرها معاكس لروح رمضان، والمتحكّم فيها هو الإشهار، وعلى حساب القيم الأخلاقيّة، والروحانيّة والوطنيّة. ولا مهرب للعائلات وللشباب خاصّة إذا دخلت علينا في عقر ديارنا بمشاهد مؤثّرة من “الزطلة” والتفسّخ والجنس والعقوق والعنف والإجرام والكلام البذيء وسطوة المال والظلم والفساد وجميع مكوّنات الصورة السلبيّة لهذا المجتمع وهذه البلاد وكأنّنا أسوأ أمّة أخرجت للعباد إلى ما لا يليق.
والخطر في أنّ العائلة والمدرسة لا تستطيعان، بعد أن بلغ السيل الزبى، إصلاح ما أفسدته التلفزة بقنواتها العموميّة والخاصّة، بخلاف الأعمال الفنّية التي أحببناها ببراعة مشاهير الشاشة المصريّة والسوريّة وحتّى التركيّة، ولم نجد فيها ما يحرجنا في أعرافنا أو ما يشوّه ذوقنا أو ما يحوّل سلوكنا فعلا وقولا.
وسبب البليّة ومبتدأ الفساد والإفساد ليس المبدع، كاتبا كان أو مخرجا، وإنّما هو المستشهر الذي بقوّة المال يتدخّل في السيناريو مرجّحا الأكثر إثارة ثمّ يتدخّل في اختيار الممثلين كأن يشترط اسما مشهورا للبطولة أو اسما جديدا يفتح له طريق الشهرة لقرابة أو علاقة مشوبة بما لا يقال من باب الاستحياء والاحترام.
هؤلاء المتواطئون في جريمة إفساد الذوق وهدم القيم وتدمير النشء يجدون من يفتح لهم الطرق إلى الجوائز تشجيعا وتكريما للتمادي في تشويه صورة تونس التي لا يحبّون لها الخير لأنّها لم تنخرط لا في الإسلام السياسي الرهيب ولا في التطبيع مع العدوّ العنيد، ولم تخضع رغم صعوبة الظروف لأيّ من الشروط والإملاءات الأجنبيّة كغيرها من الحكومات التي فقدت سيادة الموقف وحرّية القرار أمام سطوة الدولار.
والله معنا في صبرنا على الشدائد حتّى تزول بعونه تعالى وباجتهادنا في ظلّ الشعور بالمسؤوليّة والتحلّي بالوطنيّة والاتّعاظ بالماضي والتعويل على الذات والأمل في الآتي. والله أحمده شخصيّا على أن هداني إلى مبدإ “الصدق في القول والإخلاص في العمل” مع توابع ذلك من روح البذل والتفاني والتضامن واحترام الآخر مع القانون. ومن ذلك أنّي طوال حياتي المهنيّة لم أتعلّل بمرض للغياب وإن تغيّبت للضرورة مرّات أقلّ من أصابع اليد التي أقسمت بها على التضحية في سبيل الوطن، وأقلّ منها مرّات ألزمتني المشاركة في إضراب الكرامة بعد أن نقّل الزعيم الراحل القضاة والمهندسين ونسي المربّين حتّى جاء محمد مزالي رافعا المظلمة بالتقسيط مقدّرا بثقافته وتفكيره فضل التعليم الذي لا يصنع قطع الغيار بل ينتج العقول التي يكون منها القاضي والمهندس والطبيب وصانع تلك القطع وما بعدها من الآلات ومختلف المنتوجات. والله أشكره أيضا على نعمه التي لا تحصى، ومنها مكتبتي الزاخرة بروائع الشرق والغرب التي تحميني من رداءة ذلك النوع من الأفلام والمسلسلات ومن سخافة ما يتبعها من المهرجانات عدا بعض الاستثناءات التي لا عيب فيها وإن هي لم تجد حظّها من الانتشار والتكريمات. وإنّما يحفظ التاريخ ما ينفع الناس.