
التلافز جمع تلفزة، والمقصود القنوات التلفزيّة التونسيّة وفي رمضان بالخصوص لعلاقة بالطناجر جمع طنجرة أي قدر، والمقصود ماعون الطعام وأجهزة المطبخ. وهذه جديرة بأن تكون في العنوان الموزون لغة لأنّها مبتدأ البرامج اليوميّة المتشابهة إلى حدّ تعذّر التمييز بين قناة عموميّة وأخرى خصوصيّة.
وها أنا سأجلس كما جلست بالأمس أمام التلفاز لأستمتع بالعجائب طوال اليوم مقصّرا الوقت الثمين الذي سأحاسب عليه في يوم بمقدار خمسين ألف سنة لأنّي أضعته من عمري الذي كان يجب صرفه في التعبّد والتعلّم والانتفاع والنفع.
وها قد جلست وتابعت البرامج المشتركة على النحو التالي. فالبداية قبل الظهر بسوق الإشهار المطبخي تأكيدا على أنّ الشهر الفضيل هو شهر الأكل والتبذير كما هو في سلوك أكثر التونسيّين. وبعد الظهر “والدلالة” بكسر الدال تفوح روائح متخيّلة من تلك القدور وطواقم الأكل والشرب في كنف “دبارة رمضان” المثيرة للشهيّة حتّى يكون الإقبال على الإفطار كالإقدام على الحرب فيما يشبه خطبة طارق بن زياد، المنسوبة إليه، من أنّ “العدوّ أمامكم والبحر وراءكم “بما أنّ الصحاف والصحون والكؤوس والملاعق والشوكات والسكاكين أمامنا، والجوع خلفنا، وقد نفد صبرنا.
ثمّ يهلّ علينا، بعد العصر (وقت الصلاة)، وخارج العصر (الزمن الحاضر)، شيخ بلحية وشاشيّة وجبّة وسبحة للوعظ والإرشاد بحكايات من العهد القديم اقتداء بالرسول الكريم في التكافل بين الأجوار والمسلمين والرفق بالحيوان والمساكين.
وقبيل المغرب القرآن الكريم، وبعده الابتهالات والدعوات، دون أيّ فرق بين القنوات. ثمّ تحلّ السهرة والعائلات مجتمعات في أوج المشاهدة للمسلسلات الهادمات لما سبق بالمخدّرات والعنف والإجرام والفساد، لا فرق بين الإنتاج المحلّي والإنتاج المستورد، ولا بين جديد وقديم. وإن وجب بعض الثقافة لبعض الناس ففي آخر الليل. ذلك لأنّ المستشهر “المرمضن” لا يحبّ مسلسلا من تاريخ البلاد وأعلامها من العلماء والأبطال، ولا حتّى من تاريخ الإسلام ولو في شكل حصّة حواريّة توضّح لنا، وللناشئة بالخصوص، ماضينا وتؤسّس لمستقبلنا بالفكر الحرّ والنظر النقدي. والنتيجة، بعد بطولة ” شوِرِّب” أن صار قدوة أولاد الحومة في الإسراع إلى السكاكين بدل الحوار الرصين. فعلى المنظومة التربويّة ألف سلام.
يقول المخرج: “إنّه واقعنا بعيوبه، ولم نستورد مشاكل مصر وسوريا وتركيا”. ونردّ عليه غير منكرين بأنّ للإعلام رسالة تتجاوز نقل الواقع وتتحاشى المبالغة في تشويه الصورة أمام العالم وتهدف إلى الإصلاح دعما للأسرة والمدرسة. أليس من واجب وزارات التربية والشباب والمرأة التدخّل في مختلف القنوات لحماية المجتمع من مخاطر السخافات؟
وقد لطف الله بنا إذ خلّصنا من صناديق الملايين، علامة الكسب السهل بلا دراسة ولا جهد، بل بضربة حظّ في ظلّ “دليلك ملك”. والعاقبة للبقيّة من الأشباه والنظائر إن شاء الله.