بقلم صلاح الجورشي
نشر المقال في موقع العربي الجديد
يعتقد البعض في الداخل التونسي وخارجه، أن أيام الرئيس قيس سعيّد في السلطة أصبحت معدودة بسبب الاحتجاجات المتصاعدة في تونس، وأيضاً بحكم الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمرّ بها البلاد. غير أن أصحاب هذا التوقع ربما يتسرّعون، لأن الصراع السياسي الذي يخوضه خصوم الرئيس سيمتد لفترة طويلة. وهو ما قد يجعل الحديث عن إزاحته مستبعداً قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2024. مع ذلك ستكون الفترة المتبقية من ولايته الحالية صعبة وغير مستقرة، بسبب المشكلات السياسية والاقتصادية التي تتخبّط فيها تونس، في غياب أي أفق واضح لتجاوزها على المدى المنظور.
خفضت وكالة التصنيف المالي اليابانية الترقيم السيادي لتونس
آخر الأخبار السيئة وصلت من وكالة التصنيف المالي اليابانية “رايتنغ أند انفستمنت”، التي قررت تخفيض الترقيم السيادي لتونس والمصرف المركزي التونسي إلى “ب إيجابي”، مع آفاق سلبية. وأضافت الوكالة في بلاغ لها، أنها “قد تخفض التصنيف بدرجة أكبر في حال طالت عملية التفاوض بين تونس وصندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات جديدة”، معتبرة أن الوضع الراهن في تونس “يدعو إلى الاحتراز، خصوصاً في ما يتعلق بقدرتها على سداد الديون”. وتعتبر هذه الوكالة من بين المؤسسات الدولية المختصة في رصد أوضاع اقتصاديات الدول، والتي سبق لسعيّد أن استهزأ بها وبتصنيفاتها. لكن مع ذلك فإن تقديراتها ستزيد من إضعاف الاقتصاد التونسي وحرمانه من مصادر تمويل ضرورية، خصوصاً في ظل المرحلة الخطيرة التي تمرّ بها البلاد. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى أن خبراء الاقتصاد في تونس فوجئوا بحجم عجز ميزانية الدولة لسنة 2021، والذي بلغ قرابة 10 مليارات دينار (نحو 3.5 مليارات دولار). وهو رقم يعكس مدى الهشاشة الكبرى التي بلغتها الحالة الاقتصادية.
لم تدرك السلطة الحالية أن تأخير الشروع في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يزيد من حجم الضغوط المالية ويعرّض اقتصاد البلد إلى هزات قوية. لقد افترض رئيس الجمهورية أن بإمكان تونس الاستغناء ولو جزئياً عن الاستعانة بمؤسسة كبرى مثل صندوق النقد الدولي، ودعا الشعب إلى الاعتماد على الذات، لكن الواقع الموضوعي أثبت بوضوح أن تونس غير قادرة في هذا الظرف تحديداً، على عزل نفسها وخوض معركة تحقيق الاكتفاء الذاتي، من دون امتلاك مقوّمات هذه المعركة وشروطها. لهذا اضطر سعيد للتراجع والسماح لرئيسة الحكومة نجلاء بودن بالاتصال مجدداً بالصندوق، وتنظيم اجتماع بطلب من تونس، للبحث عن صيغة من شأنها أن تسمح بعقد اتفاق قد يخفف من الاختناق المالي الذي تعاني منه الحكومة. ومن شأن كل تأخير في الملف المالي أن يزيد شكوك الممولين في قدرة الاقتصاد المحلي على التعافي والصمود والإيفاء بتعهداته.
يشترط سعيد على اتحاد الشغل الابتعاد عن السياسة
يأتي هذا الخبر السيئ في مناخ سياسي غير مستقر، إذ شهدت العاصمة التونسية تجمّعاً ضخماً دعت إليه مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب”، واختارت تنظيمه في ضاحية باردو، على مسافة قريبة من مقر البرلمان المغلق بقرار رئاسي منذ 25 يوليو/ تموز الماضي. وعلى الرغم من التعبئة الأمنية الواسعة التي لجأت إليها وزارة الداخلية، والإجراءات غير المعهودة التي أقدمت عليها، مثيرة احتجاج العديد من المنظمات الحقوقية، ومن بينها منع وصول المحتجين من محافظات عديدة إلى العاصمة، إلا أن تجمّع باردو كان وازناً. ورُفعت في التجمّع شعارات قوية ضد سعيد، مطالبة برحيله. وكاد هذا التجمّع الاحتجاجي أن يتحول إلى اعتصام مفتوح، أو محاولة اقتحام مبنى البرلمان المطوق بعدد كبير من الأمنيين والعسكريين.
ويواجه الرئيس ملفات معقدة جعلته في وضع غير مريح، مع تراجع رصيد الثقة فيه عشر نقاط، حسب آخر استطلاع رأي نُظم في تونس. وهو تراجع مهم، رغم أنه لا يزال يتصدر المرتبة الأولى، فشعبية سعيد لا تزال قوية، لكن في المقابل هناك حيرة عامة تسود مختلف الأوساط بما في ذلك أنصاره. ولهذا السبب برزت مساعٍ من أجل تعميق الحوار مع الاتحاد العام التونسي للشغل حول الملفات الاجتماعية، مع إتمام الاتفاق بين الحكومة وقيادة الاتحاد على تسوية عدد من الملفات القديمة. وهي خطوة وُصفت بالإيجابية، لكن القيادة النقابية وإن أكدت على أنه لا عودة إلى ما قبل 25 يوليو، فإنها في المقابل دعت إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، وطالبت بإنشاء محكمة دستورية، وأكدت على أن التظاهر من الحقوق التي يجب احترامها. مع العلم أن رئيس الجمهورية يريد من الاتحاد الاكتفاء بتركيز الجهود على المسائل الاجتماعية، من دون التدخل في المجال السياسي الذي يجب أن يبقى خاصاً بالرئاسة. وهو شرط من الصعب أن يقبله الاتحاد الذي يعتبر نفسه شريكاً لا يمكن شطبه أو تقليص حجمه ودوره.