بقلم: عبد الحميد الفلاح
يوم السبت 20 نوفمر 2021 أكدت رئيسة الحكومة، نجلاء بودن عند تسلمها التقرير السنوي لسنة 2020 للهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالاشخاص، على ضرورة وضع استراتيجية وطنية للتقليص من التبعات التي يمكن أن تنجر عن الهجرة غير النظامية.
يوم الجمعة 19 نوفمبر2021 أعلنت رئيسة الحكومة نجلاء بودن أن رئيس الجمهورية وبعد التداول بخصوص القانون 38 لسنة 2020 والمتعلق بتشغيل من طالت بطالتهم، قرّر عدم تفعيل القانون المذكور.
بين الموقفين المتناقضين يبرز تخبط الدولة وعجزها عن توفير الحلول .. تخبط وتناقض في ظرف 24 ساعة لا غير تخللتها احداث تبدو وكانها ارهاصات لموجة احتجاجات قادمة خطيرة جدا تبرز نفاد صبر قطاع واسع من الشباب اقتربوا من الكهولة وهم ينتظرون نيل شغل.
تؤكد رئيسة الحكومة يوم السبت على ضرورة التقليص من تبعات الهجرة السرية وقبلها بيوم وفرت احد اهم اسباب الهجرة السرية وهي البطالة حيث تنكرت الدولة لوعودها والاخطر من خطوتها تلك التي ستعمق الياس في القلوب وتؤكد للشبان ان الدولة اعلمتهم بصريح العبارة ان لا حل لها يمكن ان توفره لهم وما عليهم الا ان “يتصرفوا” لتضعهم بين خيارين فالبحر امامهم ان ارادوا ركوب قوارب الموت والشارع وراءهم ان ارادوا الاحتجاج.
طبعا لم ينتظر الشباب المفقر المهمش التائه الذي لا يعلم لنفسه مستقرا بل كان الريح تحته تطير به الى حيث تريد وهو يسمع منذ اشهر ان ما يحدث هو منطق “الشعب يريد” فيتساءل هذا الشباب هل نحن من هذا الشعب؟ ام اننا “شعب ورقة” يتم استعمالها لغايات انتخابية او لتصفية حسابات سياسية.
يعلم الشعب انه “ورقة” يتم استعمالها في كل الغايات الا ما يخدم هذا الشعب حتى في ابسط حق كفله له دستور 2014 وقبله دستور 1959 وما بينهما الدستور الذي حكم به الراحل به بن علي الا ان ذاك الحق كان ايضا ورقة سياسية لانه لا بورقيبة ولا بن علي ولا من حكم بعد الثورة فكر في الشعب ولا في الشباب ووفر لهم اسباب الحياة الكريمة حيث اهتموا كلهم بالسياسة في معناها الضيق الذي يضمن بقاءهم في الحكم ولم يفكر أي منهم في الاقتصاد فلم يتوفر أي منوال للتنمية منذ الاستقلال الى اليوم وكل تجاربنا الاقتصادية كانت تحت “شعار فسخ وعاود” حسب الظرف السياسي.
صوت مجلس نواب الشعب في جويلية 2020 على القانون عدد 38 وامضاه رئيس الجمهورية ليصدر في الرائد الرسمي في اوت من نفس العام لغايات سياسية فالنواب بمختلف كلتهم وقبلهم حكومة المشيشي كانت تعلم انه لا يمكن للدولة اجرائيا ان تنفذ ذلك القانون وان تشغل كل عام 10 الاف عاطل عن العمل من اصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم لانها لا تملك موارد لذلك وهو ما اكده عدم ادراجها لاي بند في ميزانية عام 2021 يمكن من تفعيل ذلك القانون ولم تعين أي مخصصات مالية لتلك الانتدابات كما ان النواب والحكومة يعلمون عند مصادقتهم على ذلك القانون ان وضعه والاتفاق حوله واعلانه ضرب من الجنون والتجديف ضد التيار لانه لا صندوق النقد ولا البنك الدولي ولا أي دولة من التي تعهدت بدعمنا ثم تاخرت ستقرض تونس أي مليم لتنفقه على سداد اجور اضافية الى كتلة الاجور المنتفخة جدا وهو ما يعني ان من صادقوا على ذلك القانون ارادوا فقط امتصاص غضب الشبان وعائلاتهم واشاعة امل زائف بينهم عل انتفاضتهم تتاخر .
لئن يتحمل النواب وحكومة المشيشي قسطا في الازمة الحالية التي تنذر بعاصفة قوية بدات في اقتحام مقرات لولايات وغلق طرقات وتهديد بعصيان شامل الا انهم تعاملوا مع رئيس الجمهورية بمنطق “بضاعتكم ردت اليكم” فقيس سعيد منذ ولج قصر قرطاج وهو يروج لاوهام ويعد بما لا يقدر على تحقيقه ويحمل وزر عجزه عن تنفيذ وعوده ذات السقف العالي جدا الى الحكومة ومن سبقها والى كل الطبقة السياسية بشقيها الحزب والمنظماتي ويتهمهم بسرقة اموال الشعب وبانه سيعيد ما نهب الى التونسيين ليقع في مطب هو من صنعه حين اعلن يوم الجمعة 19 نوفمبر 2021 ان لا انتدابات جديدة وان على العاطلين عن العمل انتظار تاسيس الشركات الاهلية بعد ان يقوم رجال الاعمال ممن نهبوا البلاد رد الاموال التي اخذوها .. هكذا بكل بساطة يعتقد قيس سعيد انهم سيعيدونها .. رغم انه اول من يعلم انهم لن يعيدوا أي مليم كما انه يعلم جيدا انه لا يستطيع فعل شيء لاجبارهم على الدفع وانه فقط يستعمل لغة محببة الى الشعب الذي يطرب حين يسمع مقاومة الفاسد ورد الاموال المنهوبة وغير ذلك مما سمعه كثيرا.
ما لم يعه رئيس الجمهورية ان الشعب تاكد ان ما يحدث لا علاقة له بارادته لذلك في الوقت الذي استقبل عاطلين عن العمل ليواصل مدهم بكؤوس مترعة بالوهم خرج المصدومون من عبث الدولة بهم الى الشارع ليفرضوا ارادتهم وليعلموها بما يريدونه فعلا فخرجوا في القصرين وفي سليانة وفي العاصمة والمؤكد ان جهات اخرى ستركب قطار الاحتجاجات لان العبث بلغ منتهاه وااياس تمكن من النفوس.
منذ 2019 والصراع متمحور حول النصوص وكل يقراها وفق هواه ويبدو ان الفصل 38 سيكون اقوى اثرا من الفصل 80 الذي لم يستطع انهاء حالة الخطر الداهم بل كان هو من صنعها وان الفصل 38 جاء ليفضح كل النصوص وليقيم الحجة على تخلف الدولة وعبث نخبها مهما تغيرت ادوارها من الحكم الى المعارضة فهذا الفصل سيكون حجة على تخلف التعليم الذي دخل في قطيعة مطلقة مع سوق الشغل فوفر لها ما لا تحتاجه وحول جامعات البلاد ومعاهدها الى مفارخ للعاطلين عن العمل وفضح المنظومة الاقتصادية التي انبنت على اقتصاد ريعي الخير العميم فيه لعائلات محدودة احتكرت كل الثروات واحتكرت الدولة لتكون خادمة لمصالحها راعية لها فعجزت المنظومة الاقتصادية على صنع الثروة للجميع وعطلت مسالك التنمية في البلاد وحصرتها في جهات بعينها تنتمي اليها تلك العائلات وحرمت منها باقي البلاد.
منذ 2019 ورئيس الجمهورية يعلن للتونسيين ان كل النخب السياسية لم تبعهم الا الوهم وانه وحده من سيمنحهم الحقيقة ومن سيصنع معهم واقعا بلا اوهام فاذا به اول من تجرع مرارة الوهم حين ظن ان البلاد يمكن ان تسير الى الامام اذا فقط طبقت شعار “الشعب يريد” ولم يع ان ارادات الشعب عديدة وانه ان ام يتم تنظيمها في اطار قانوني كما حددته كل دساتير العالم فان تلك الارادات ستتعارض وتونس لا تملك بترولا او غازا الاسكات أي “ارادة متمردة” هنا وهناك وانها منذ 2011 امتلكت ديمقراطية تم اساءة استخدامها وكان يكفي فقط اصلاحها عبر تنقيح قانون الانتخابات وتعديل النظام السياسي لكن ان نعطل النصوص ونشغل الشعارات فلن تحصد البلاد الا التوتر ووقتها سيبحث الشعب عن تنفيذ اراداته حسب حاجياته فنطرد النظام ونستدعي الفوضى.