بقلم جلال يوسف
في الرياضة كما في كافة ميادين الحياة الاخرى يكون البقاء في القمة اصعب من الصعود اليها.
فقد تتوفر ظروف بعضها استثنائي والبعض الآخر موضوعي وتلتقي وتترابط لتسمح ببلوغ القمة وتحقيق نتائج لم تكن منظرة او متوقعة، غير انه اذا لم نحسن استغلال فرصة ووجودنا في القمة لايجاد السبل الكفيلة بالمحافظة على هذا التميز بفضل التخطيط و العمل و المثابرة فان التدحرج الى الاسفل و احيانا السقوط المدوي هي النتيجة الحتمية و النهاية الحاسمة.
الارجنتين و بعدها النسيان
في صائفة 1978 بزرت تونس في سماء المنديال بالارجنتين بفريق عتيد حقق نتائج معتبرة و شدّ انظار احباء كرة القدم في العالم.
جمع ذلك الفريق نخبة من اللاعبين الموهوبين المتميزين امثال المرحوم حمادي العقربي وطارق ذياب وتميم الحازمي و نجيب غميض وعلي الكعبي و مختار ذويب وعلي عقيد والصادق عتوقة وغيرهم ممن شكلوا جيلا ذهبا زاد من تألقه ما توفر له من تسيير فني جيّد باشراف الممرن المقتدر عبد المجيد الشتالي وعناية كبيرة ومباشرة من القيادة السياسية، فجاءت النتائج على قدر الجهود الكبيرة التي بذلت و التخطيط الذي وُضع و تلألأ نجم تونس في الارجنتين و وقف البلد الصغير بعزم و ثبات امام عمالقة العالم و سجل فريقه نتائج غيرت النظرة نحو القارة الافريقية تغيرا كاملا و فتحت لها الباب لمشاركة اكبر ارتفعت الى خمس فرق في المونديال الواحد، و ما تبع ذلك نهوض ملحوظ بلعبة كرة القدم في القارة مكّن من التعريف بالبلدان الافريقية بمئات الاعبين تحولوا للاحتراف في اشهر الفرق الاروبية و العالمية، بل انه مهّد لتنظيم الدورة 19 للمنديال بجمهورية جنوب افريقيا في صيف سنة 2010.
لكن ذلك البناء الرائع الذي شكله فريق الارجنتين سرعان ما تهاوى و تلاشى في غياب استراتيجية للمحافظة على الفريق وعلى المستوى الذي بلغته كرة القدم التونسية بفضله و تطوير ذلك المكسب الرياضي الكبير الذي كان يعدّ ملك التونسيين كلهم و أمانة تُسلّم للاجيال اللاحقة. انفرط عقد فريق الارجنتين اثر نهاية المونديال و تبعثر لاعبوه في بلدان الخليج العربي خصوصا، بين فرق لم يكن مستواها يضمن المحافظة على تميّز ابطال تونس الذين سرى في عروقهم حب المال و الكسب السريع سيما امام تساهل الادارة و سياسة الارتجال التي تتبعها و غياب اي رؤية مستقبلية.
وكانت النتيجة الحتمية ان فشلت تونس في الترشح الى المنديال في اربع مناسبات متتالية، ولم تتمكن من الحضور في الا في منديال فرنسا سنة 1998 اي عشرين سنة بعد مشاركتها في منديال.
تونس تنتصر و تتراجع
صحيح ان بلادنا نجحت بعد منديال فرنسا في الترشح الى جلّ الدورات الموالية ولم تغب الا مرتين في حين انها استطاعت المرور ثلاث مرات الى النهائيات (2002 و 2006 و 2018)، لكن مشاركاتها كانت كلها متواضعة و دون المستوى الذي ظهرت به سنة 1978 في الارجنتين.
لم تتقدم كرتنا والاسباب هي نفسها: غياب التخطيط، عدم الاستقرار، افتقار الى التكوين، تدخل اسباب واعتبارات خارجة عن النطاق الرياضي بعضها سياسي والبعض الآخر يتعلق باختيارات خاطئة في التدريب والتسيير.
ومعضلة الارتجال وغياب التصميم الصحيح والرؤية المستقبلية لم تؤثر على كرة القدم وسحب بل على كل المجالات والاختصاصات الرياضية الاخرى سواء كانت رياضات فردية مثل العدو الريفي او السباحة او الملاكمة او رياضات جماعية مثل كرة اليد التي برزت فيها تونس وحققت نتائج باهرة قبل ان تتراجع بصفة كبيرة وخطيرة.
انتصرت تونس يوم الثلاثاء 17 نوفمبر على زامبيا (1/3) و تأهلت الى المستوى الاول الذي ستواجه فيه احد هذه الفرق وهي مصر او الكامرون او مالي او غانا، قبل الترشح نهائيا الى نهائيات منديال قطر في شهر جوان المقبل.
فرحة تونس بهذا الانتصار عكّرها تصنيف الفيفا التي نشرت يوم الجمعة تصنيفها الشهري والذي دحرجت فيه تونس الى المرتبة 29 بعد سنوات من احتلالها الرتبة 28 التي آلت الى الفريق المغربي. و لم يكن هذا التراجع في الترتيب مفاجئا لتونس بعد نتائجها غير المستقرة والتي ابرزها تعادلها مع موريتانيًا و هزيمتها ضد غينيا الاستوائية.
كما يؤكد هذا الترتيب مرة اخرى عدم الاستقرار الذي يميّز مسيرتنا الرياضية عموما والناتج كما اسلفنا القول الى غياب الرؤية البعيدة و تعدد المتدخلين و الاكتفاء باتباع سياسة “كل يوم و يومه”.
ان تونس لا تنقصها المواهب الشابة ولا الارادة القوية وانما ينقصها النفس الطويل والتخطيط المحكم والقدرة على المحافظة على النتائج المكتسبة وتطويرها نحو الافضل وهذا دور المسؤولين على القطاع الرياضي وأولهم وزير الشباب والرياضة الذي لا يجب ان يحبس الوزارة في الادارة اليومية والنتائج الآنية.