بقلم: د.خالد شوكات
يحاول الرئيس سعيّد بإصرار كبير، وكلما اتيحت له فرصة الحديث مع مسؤول أمريكي، كبر وزنه أم صغر، وكان آخرهم وزير الخارجية بلينكن، السعي الى إقناع واشنطن بأن ما قام به ليس انقلابا، وبأن الإجراءات الاستثنائية كانت ضرورة لحماية الدولة التونسية، وان هناك من التونسيين من يسعى الى نقل صورة مشوّهة لهم بوسائل مشبوهة، أو هذا ما جاء في بيان رئاسة الجمهورية الاخير بخصوص المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس والمسؤول الامريكي. وهنا أود التوقّف سريعا عند هذه النقاط:
1- لست ادري لماذا يصر الرئيس سعيّد على نفي اتهام لم توجهه له الادارة الامريكية الى الان رسميا، فادارة بايدن تتحفظ الى اليوم على استعمال لفظ انقلاب في توصيف ما جرى في تونس يوم 25 جويلية، ربما من باب الحفاظ على خط رجعة وما يحفظ ماء الوجه للرئيس اذا قرر العودة بالبلاد الى الحياة الطبيعية ورفع حالة الاستثناء، ومن هنا يبدو سلوك الرئيس المتكرّر بمحاولة إقناع الأمريكان بشيء غير مقنع البتة، وكأنه اعتراف بالذنب من حيث هي الرغبة في نفي الانقلاب.
2-الحديث عن الدماء التي سالت في البرلمان وفساد بعض نوابه، لا اعتقد انه يمكن ان يكون مقنعا لإدارة بلد تجوب أساطيله العسكرية المحيطات والبحار.
اي دماء هذه التي سالت في تونس قياسا بما جرى في محيطها الغارق الى أذنيه في بحار من الدم جراء الحروب الأهلية والفتن الداخلية.
بل لعلَّ البرلمانات الساخنة هي البرلمانات الأكثر مصداقية وديمقراطية في العالم، حيث يختزل الصراع داخل قبابها الصراعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأيديولوجية في مجتمعها، وبما يقي بلدانها شرورا اكبر وأعنف وأشد فتكاً وضراوة، وما وظيفة البرلمانات غير تحويل هذه الصراعات من الفضاءات العامة المفتوحة الى فضاء محدود تحتدم فيه لوقت موجز حتى تتم التوافقات وتتحقق المصالحات.
وهل ترى الأمريكان لا يتابعون ما كان يجري في برلماننا او برلمانات العالم بأسره، وهل ترى بلد الكونغرس يمكن ان يقتنع بان إلغاء البرلمان يمكن ان يحل أزمة او يدفع خطرا، ام ان العكس هو الصحيح.
3-هل يعتقد الرئيس ان الادارة الامريكية لا تمتلك ادوات الاستخبار الكافية عن اوضاعنا حتى تقع تحت تأثير هذه المجموعة التونسية او تلك ممن تعترض على احتكار رجل واحد لمؤسسات الدولة جميعاً او ايقاف المسار الانتقالي او تعطيل رموز الديمقراطية.
ان لواشنطن سفارة هي الاكبر من نوعها في بلادنا، وصلاتها بمؤسسات دولتنا عريقة عريضة بنيوية ممتدة على عقود من الزمان منذ استقلال بلادنا عن فرنسا، وهي ليست في حاجة الى اي جهة سياسية تونسية حتى تعلم ما استجدّ ويستجد على أرضنا.
ومن هنا فان سعي الرئيس الى مواجهة خصومه الداخليين لدى واشنطن ليس سوى ممارسة للفعل ذاته الذي يراد ادانته، ولو كانت هناك مصداقية للشعار المدافع عن السيادة واستقلال القرار، فما دخل الأمريكان بصراعاتنا حتى يشكو احدنا الاخر لديهم. ان استقلال القرار رهين الالتزام بقواعد الديمقراطية، فالحاكم الديمقراطي لا يبرر لأحد في الخارج سلوكه الداخلي، ولو كان هناك برلمان يراقب ويحاسب الرئيس ما اضطر الرئيس الى الشكوى لبلينكن او لسواه، اما وهو ضعيف الشرعية كأي حاكم انقلب على مصدر شرعيته فله ان يقف هذا الموقف الضعيف امام الأمريكان او غيرهم، وهو ما لم نكن نرضاه لرئيس تونسي بعد ان من الله علينا بالديمقراطية، ولكن ما عسانا نفعل والحال قد صار كسيرا حسيرا بائسا كما نراه.