بقلم نوفل بن عيسى
عندما عبر زهير الرايس الممثل المسرحي ومدير المسرح البلدي بالعاصمة الحالي عن رفضه اقامة عروض مزود بالفضاء الذي يديره قامت عليه حملة تندد بهذا القرار وكأن فيه تعد صارخ على حرية الابداع واستنقاص من المزود!
والمزود اسم آلة شعبية ونوع من أنواع الموسيقى التونسية، منها الطرقية (نسبة الى الطرق الصوفية والزوايا) ومنها الدنيوية والتي يرجع اصولها الى الزندالي (نسبة الى الزندالة أي السجن). والمزود تونسي اصيل ناهيك ان نهج من انهج مدينة تونس العتيقة من ربط باب سويقة يحمل اسم “نهج قاع المزود” (في باب العلوج حذو نهج القعادين).
وقد تم بناء المسرح البلدي بالعاصمة في بداية القرن العشرين أي في الفترة الاستعمارية لتقديم عروض فنية موسيقية كانت أو مسرحية أو رقص وتمادى الأمر على ذات المنوال بعد الاستقلال ثم صارت تنظم فيه افتتاحات واختتامات مهرجانات دولية على غرار ايام قرطاج المسرحية والسينمائية وامسيات وسهرات ادبية وشعرية.
وفي حين حافظت المسارح وقاعات العروض الفنية في دول العالم المتحضر على تقاليدها على غرار دار الاوبرا المصرية التي لا يمكن دخولها الا اذا كان هندامك محترم اى درجة انه يشترط على الرجال ربطة العنق وكذلك في فرنسا وغيرها من الدول الاوروبية أين يشترط على من يرغب في حضور بعض العروض لباس “سموكنغ” smoking، بدأ المسرح البلدي يعرف بعض التسيب ويفقد من بريقه على كل المستويات وبدأت معايير استغلاله تتذبذب وتقدم به عروض وتنظم به تظاهرات لا تتماشى وطبيعته وسمعته وهذا ما حدث لغيره من الفضاءات مثل مسرح ابرا تونس بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي الذي نظمت به سهرة الاحتفاء بمائوية فريق الترجي الرياضي التونسي بعرض موسيقي ذا طابع “شعبي” وتحول بذلك الى ما يشبه مدارج ملعب كرة قدم وكان من بين الحضور من كان يرتد لباس رياضي مع العلم ان رئيس الجمهورية آنذاك الباجي قائد السيسي (1926 – 2019) افتتح تلك السهرة وفي هذا دليل على أن الاستخفاف بالثقافة وبفضاءاتها وصل الى اعلى هرم السلطة في البلاد! واستشهدُ في هذا السياق بقول الشاعر السلجوقي سبط بن التعاويذي (1125 – 1187 م) :
«إذا كان رَبُّ البيتِ بالدفِّ ضارباً،
فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهِمُ الرَّقصُ».
وعندما عبر زهير الرايس رفضه اقامة عروض مزود بالمسرح البلدي بالعاصمة بصفته مديره فليس في ذلك استنقاص لموسيقى المزود أو احتقارا للآلة أو للمزاودية أو لما هو “شعبي” وانما لأن المسرح البلدي لا يتناسب وطبيعة مثل هذه العروض التي تستوجب فضاءات يمكن فيها للجمهور ان يرقص ويمرح ويتناغم مع نوعية الموسيقى تلك وهي تنشيطية وترفيهية وليست “ثقافية” كما يعلم الجميع ومن باب أولى واحرى ان تنظم عروض المزود وغيرها من “الموسيقى الشعبيةٕ” كالراب والراي والروك بفضاءات كقصر المعارض بتونس ومسارح الهواء الطلق وحتى الملاعب والقاعات الرياضية أين يمكن للجمهور أن يتخلص فيه عما بداخله من طاقة سلبية وينفس عما بداخله من كبت ويتحرر من قيود الانضباط وكنت أنتظر شخصيا من أهل الثقافة على الاقل مساندة زهير الرايس ولكن تبين لي أن “كل يغني عن ليلاه”! وانتهز فرصة هذا المقال المتواضع لأعبر لزهير الرايس مدير المسرح البلدي بتونس عن دعمي ومساندتي على موقفه وأشكره على شجاعته على العمل على وقف نزيف الاستهتار بالفن وبفضاءاته طالما باتت الثقافة يتيمة بلا سلطة تحميها وترعاها