بقلم عبد الجليل المسعودي
كلّنا مدينون لمصر.
مدينون لكتّابها، لمفكّريها، لفنانيها، لزعمائها التاريخيين الذين ألهموا الشعوب العربية وانتصروا لكفاحاتها ودعّموا قياداتِ حركاتها التحررية من قيود الاستعمار البغيظ على كامل رقعة الوطن العربي، مشرقا ومغربا.
كلّنا مدينون لمصر بالعرفان والامتنان لما قدمته نخبها، لاسيما خلال القرنين الماضيين، وما انتجته من الاعمال الثقافية القيمة في سبيل ايقاظ الضمائر العربية النائمة ودفعها الى الانصهار ضمن مسارات التحديث والتجدد. وكيف ننسى تضحيات الشعب المصري الجسام، أجيالا متعاقبة، في الدفاع عن قضية العرب الأولى، فلسطين، روى من أجلها أرض مصر بدماء شبابه؟
هل كان ذلك وقتا وانقضى؟
الجغرافيا هو العنصر الثابت في التاريخ . ومصر ما تازال مصر بوزنها وبمسؤوليتها التاريخية وما احدثته مختلف خياراتها والتزاماتها منذ النصف الثاني من القرن الماضي من تغيير في المصار العربي ما زالت شعوب المنطقة تعيش الى اليوم تحت تاثيراته على الميدان وفي الوجدان والوعي. ومصر التي هي على مرمى حجر من مسرح جريمة بشعة تُرتكب في حق شعب أعزل أنهكه احتلال خمسة وسبعين سنة، تثير اليوم بموقفها المتفرج بصمت، ذهول أكثر من دولة اجنبية ناهيك عن الشقيقة.
. لسنا نقف هنا محرّضين على دخول مصر في حرب، فنحن نعلم انها ملزمة بمعاهدة سلام مع إسرائيل منذ ربيع سنة 1979 وباتفقات كمب ديفد للسنة التي سبقت. وندرك كذلك واقع البلاد الداخلي وضغوطاتها الاقتصادية والاجتماعية. لكننا لا نملك اللا نكون مصدومين، مشدوهين أمام ما تبديه النخبة الفكرية والثقافية المصرية من عدم اكتراث وحياد عجيب حيال جريمة يُقتّل فيها الأطفال والنساء بمنهجية قاسية عنيدة. أين هم كتّاب مصر ومفكروها وأعلامها وفنانوها؟ أليسوا هم ضمير مصر، ومِن وراء مصر، بلاد العرب كلها؟
نتساءل: لماذا مثل هذا الموقف؟ أهو الخوف؟ ممن؟ من الحاكم، من العدوّ، من حليف العدوّ؟ أم هو نتيجة ثقافة اللامبالاة وعدم الاكتراث بالآخر الذي ليس هو إلاّ الأخ في العروبة والدّين والإنسانية؟ ألهذا الحدّ اوصلتنا الأنانية وطمع الرفاه وسراب النزعة الاستهلاكية، فلم نعد نعبأ بمن يُبادون منّا ومن بيننا كما تُباد”!الحيوانات البشرية”؟
نعيد ونؤكّد: لا نقف هنا دعاةً للحرب، وإنما موقف القلقين على مستقبل العرب كيانا وأمة وثقافة وحضارةً.
المستقبل لا تبنيه الحكومات وإنّما الشعوب. والشعوب ليست رقما ولا مجرد رقعة جغرافية. وإنمّا حلم وإرادة ومشروع تتجاوز الأرقام والحدود.
الحكومات يهمها الحاضر، والشعوب مسؤوليتها المستقبل. ولا مستقبل لشعب تَداركه الخوفُ والضعف المولّد لمركّب الهزيمة الذي لا نهوض بعده
ولا إبداع ولا تأثير، ولا عيش كريم.
نريد أن نسمع نُخب مصر تستعيد دورها عبر الكلمة واللحن والصورة، صادعةً بقول الحقّ الرافض للخنوغ والأمر الواقع. انّه دورها التاريخي والطبيعي: أليست مصر “بيت العرب”؟