“الآن جاء الموعد يا أمّاه، فاقد رأيت نفسي أقتحم عليهم موقعهم، أقتلهم كالنعاج وأستشهد، ورأيتني بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنّات النعيم، وهو يهتف بي مرحى بك مرحى”.
يحيى السنوار
(الشوك والقرنفل)
سجن السبع 2004
عبثا حاول المحتلون من بني صهيون والمطبّعون من بني يعرب المتصهينون أن يشوّهوا صورة المناضل “يحيى السنوار” بأنه يختبئ في أنفاق غزة ويحتمي بأسرى الحرب درعا بشريّا ولكن دون جدوى. فقد أثبت الميدان بالصوت والصورة التي وثّقها العدوّ ذاته وبثّتها أولا قنوات التلفزيون العربية الوسيطة أن الرجل استشهد بمدينة رفح فوق الأرض وبين ركام شقة دمّرها جيش الاحتلال وهو يقاوم بسلاحه حتى الرمق الأخير ودونما أية حماية كما يدّعون.
ألم يقل في إحدى خطبه “أنا أفضّل أن أستشهد بالآف 16 أو بالصواريخ من أن أموت بالكورونا” ؟
هذا هو الشهيد يحيى السنوار المقاوم الجسور، وهكذا هم المناضلون في صفوف المقاومة أينما كانوا، لا يهابون الموت ومستعدون للاستشهاد من أجل الأرض والعرض على عكس قطعان المستوطنين الذين استولوا على أرض فلسطين وخيراتها وطاردوا أهلها وطردوهم وظنّوا في لحظة انتشاء أنهم باقون فيها إلى الأبد.
طبعا هم لا يفهمون معنى الشهادة لأنها ليست من معتقداتهم ولا من تقاليدهم، وكما جاء في توراتهم وفي مختلف تلاميدهم فإن “الحياة تنتهي في الحفرة والجزاء يكون في الدنيا حسب الأعمال لا المعتقد”.
على هذا الأساس يقوم الفكر الصهيوني الذي لا يؤمن بغير المادة هدفا وسبيلا ولا يرى عنها بديلا، وقد وجد في الامبريالية العالمية والأنظمة المتسلّطة على شعوبها منذ العصور الأولى، أو ربّما وجدت هي في هذا الفكر الأعرج ما يلبّي مطالبها، رديفا مناسبا يستفيد من الأزمات التي يزرعها عبر بلاد العالم ويستنزف ثرواتها بكل صلف ووقاحة.
من الثابت أن أقدم استخدام معروف لمبدأ “العين بالعين” كان في شريعة “حمورابي” ملك بابل الكلداني (1792-1750 ق م) تعبيرا عن مبدأ العدالة المتبادلة. وقد سبق هذا التعبير أقدم الكتب السماوية المقدّسة بالرغم من الادعاءات المُضلّلة، ثم جاء المسلمون ليزيدوه تجسيما وتوضيحا وأعطوا للعدالة معنى أكثر صرامة وسموّا فصار “العين بالعين، والسنّ بالسن، والبادي أظلم”.
وانطلاقا من هذه المعادلة الصحيحة صوّبت المقاومة الإسلامية نيران صواريخها ومسيّراتها نحو منزل “النتن” الذي كان يختبئ تحته مثل الجرذ في مجاري الصرف الصحي.
لكن ما كل مرة تسلم الجرة، فقد استطاعت المقاومة أن تحدد مكانه وصار ضمن بنك أهدافها هو والقتلة الآخرون ولا أخال أنهم سيفلتون من الانتقام، فالرأس بالرأس والقائمة تطول.
إنها حقا لمهزلة التاريخ أن ترى الغرب زمن الحرب العالمية الثانية يتوحّد لمحاربة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية ويوقف تمددها في أوروبا ثم ترى العربان في هذا القرن يهللون لمأساة الشعب الفلسطيني ويصفقون لاغتيال أبطاله وقد تناسوا أنهم “آتون لا محالة إلى لحلقوم” وسيندمون يوم لا ينفع الندم أنهم لم يتّعظوا في الإبان من المقولة العربية “أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض”.
هؤلاء العرب المعنيون بالصورة أصبحوا أضحوكة بين الأمم، فبقدر ما يضحكون من مأساة بني جلدتهم في الأرض المحتلة يضحك العالم على ذقونهم المخضبة بالأصباغ ويسخر من بلاهتهم وتفاهة تفكيرهم ويفتخر أنه يبتز ثرواتهم.