“علّموا أولادكم أن فلسطين محتلة، وأن المسجد الأقصى أسير، وأن الكيان الصهيوني عدوّ، وأن المقاومة شرف، وأنه لا توجد دولة اسمها إسرائيل”.
الملك فيصل بن عبد العزيز
روى “هنري كيسنجر” وزير الخارجية الأسبق بالولايات المتحدة الأمريكية زمن الرئيس “ريتشارد نيكسون” في مذكراته أنه عندما التقى الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في جدة في أكتوبر عام 1973 لمحاولة إثنائه عن وقف ضخ البترول وجده متجهما فأراد مباسطته قائلا: طائرتي جاثمة في المطار بسبب نفاذ الوقود فهل تأمرون جلالتكم بتموينها ؟ أنا مستعد للدفع بالأسعار الحُرة.
لم يبتسم الملك بل رفع رأسه نحوي وقال: أنا رجل طاعن في السن وأمنيتي أن أصلّي ركعتين في المسجد الأقصى، فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية ؟
كان الملك فيصل (1906-1975) من أشد أعداء الكيان الصهيوني ومؤمنا بمركزية القضية الفلسطينية في الصراع الإقليمي بالشرق الأوسط، وكان صريحا في موقفه الراديكالي: “إذا كان هناك من يقول الآن أن العرب يقبلون بقرارات الأمم المتحدة فإننا نرفض ذلك رفضا باتا، لأننا إذا قبلناها فعلينا أن نعترف بدولة إسرائيل”.
وبالرغم من خلافاته الإيديولوجية مع زعماء القومية العربية خصوصا جمال عبد الناصر وأفكاره الاشتراكية التي بدأت تنتشر في البلاد العربية في ستينات القرن الماضي فقد ناصرهم في حرب 67 كما ناصر خلفاءه في حرب أكتوبر 1973 “كيبور” (العاشر من رمضان) بموقف شهير خلّد ذكره.
ففي 12 أكتوبر 1973 اتخذ قراره الذي سمّي حينها “حرب البترول” بوقف تصدير النفط لأمريكا وبعض الدول الغربية لمساندتهم العدو الصهيوني في الحرب ضدّ مصر. وقال: “إن البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي”.
لقد استطاع بهذا القرار أن “يركّع أمريكا والغرب ويعيدهم إلى العصر الحجري” كما قال أحدهم حتى أنهم لجئوا إلى الوسائل القديمة كجرّ العربات بالخيول وركوب الدرّاجات الهوائية.
وأمام هذا الحدث التاريخي الذي هزّ البلاد المتقدّمة وعطّل اقتصادها سمعنا بعض “مؤرخي الأحداث” و”علماء السياسة” العرب يشككون في ما ذهب إليه الملك فيصل من مواقف وطنية وقومية معادية للكيان وقد سبق أن شككوا في القائدين إسماعيل هنيّة ويحيى السنوار وكذّب الميدان ادّعاءاتهم.
واعتمادا عل وثائق سرية مسرّبة من “ويكيليكس” المشبوهة ذهب بعضهم دون احتراز إلى اعتبار أن تصريحاته العلنية لم تكن سوى إعلان نوايا أمام وسائل الاتصال والعموم وأن ما خفي مخالف تماما لذلك. وقد ادعوا أن ذلك لم يكن سوى مناورة ذكية تمت بالاتفاق مع الشركات الأمريكية التي رفّعت في أسعار البترول ؟
كان مصير الملك أن تم اغتياله صباح 25 مارس 1975 من قِبل أمير أشاعوا أنه مُختلّ المدارك العقلية أو ربما تحت تأثير مخدرات كان يتعاطاها عندما كان طالبا في العلوم السياسية بأمريكا.
ومن أقواله الشهيرة الخطاب الذي سبق اغتياله بيوم:
“لو أجمع العرب جميعا أن يرضوا بوجود إسرائيل وبتقسيم فلسطين فلن ندخل معهم في هذا الاتفاق، وأن معارك “بئر شيبة” وبطاح فلسطين لتشهد بأن أبناءكم الذين ذهبوا ليدافعوا عن وطنهم ووطن إخوانهم لم يعد منهم سوى الربع قد استشهدوا على أرض فلسطين العزيزة”.