
لست من محكّمي الأخلاق في الفنّ ولا من معطّلي حرّية الإبداع، ولكن وجب عليّ كأيّ كاتب ملتزم برسالة الأدب الإصداح بكلمة الحقّ بعد أن بلغ السيل الزبى بكتب لا تنقد ولا تصلح بل تشوّه وتهدم دون احترام القارئ ومن ورائه العائلة والمدرسة وسائر المجتمع في تحدّ صارخ لمنظومة القيم والأعراف والذوق العام.
قرأنا لكتّاب من الشرق والغرب دونما حرج، حتّى إذا وصفوا العلاقة الحميميّة الطبيعيّة أضفوا عليها جمال الشاعريّة بلغة شفّافة تغلّب التلميح والإيحاء على التصريح المباشر والتصوير القبيح. ونقرأ لبعض كتّابنا في تونس فنتحرّج من حمل الكتاب وإدخاله إلى المنزل والمكتب. وكيف أسمح لنفسي بأن أراه بين يدي ابني أو ابنتي أو أمام تلميذي وتلميذتي وفيه مغامرة جنسيّة فاحشة لا يزينها فنّ تتكرّر كلّ عشر صفحات بوتيرة لقاء في مقهى أو مطعم أو محطّة متبوع في اليوم التالي بلقاء في الفراش؟ هذا أكثر من “موسم الهجرة إلى الشمال”.
شيء قليل من الإباحيّة قرأناه في الشعر الجاهلي وغزل عمر بن أبي ربيعة في ق 1 هـ في بيئة الحجاز. ومثله قرأناه في “ألف ليلة وليلة” دون أن يتجاوز الشاعر أو الراوي الحدّ المقبول. وعكس ذلك وأكثر منه وأخطر هذه الروايات المعروفة بالواقعيّة الجديدة والمنشورة كما يدسّ السمّ في الدسم والتي لا تزيد الشباب إلاّ تفسّخا وفسادا مغلّبة الرذيلة على الفضيلة وكأنّ المجتمع كلّه قد تدهور واعتلّ.
وللأسف فهي التي تجد لها في الداخل والخارج من يدعمها بالجوائز المشجّعة على المزيد من الدمار الشامل، ومن وراء الجوائز الشهرة والرواج والربح الوفير. ومثلها كمثل السينما بالأشرطة التي لا تخلو من المشاهد الإباحيّة بما يرضي الشركاء في الإنتاج إذا ظهرت عيوبنا بكامل المبالغة ومطلق التعميم أمام عيون العالم. وتلك صورة سلبيّة تعكس جانبا من الحقيقة ولكنّها ليست كلّ الواقع. ومثلها أيضا التراسل بـ”الفيسبوك” الذي يتقاسم همومنا دون تقدير ظروفنا كذلك التنافس بـ”التيك توك” الذي يكشف عن عوراتنا بأنكر الأوضاع، ولا رقيب ولا حسيب على فضائح جماعة “فيمن” وطقوس عبدة الشيطان. وعاشت الحرّية، حرّية التعبير بالقلم والخيال، وحرّية التعبير بالصورة والجسد.
وفي هذا الخضمّ من فوضى الحواس وأزمة الذوق وتقهقر الفنّ والجمال وباقي القيم الأصيلة والمبادئ الشريفة لا أحد يتذكّر أو يقدّر قول شوقي المدافع عن الأخلاق التي بها تبقى الأمم ومن دونها تنحطّ وتزول.
ومثلي في أسفي وقلقي وخوفي واشمئزازي وأنا أطالع الفضائح وأشاهد الفضائع رجل التعليم الوطنيّ الغيور إذ يشقى دون جدوى بعد أن استفحل الداء وفار التنّور.
وبعد هذا، ولضرورة الالتزام، سأستأنف ما كنت فيه من إصلاح الأدب القليل الأدب شكلا ومضمونا مستقويا بإرادة سيزيف على ما أفسده الدهر والشعب الكريم.